الإنترنِت في الجولان… مواقع أَم متاريس؟!
بقلم :وهيب أيوب (نقلاً عن صفحات سورية)
نستطيع بمادة الديناميت أن نُفجّر الصخر ونحرّك الجبال ونشق الطرقات ونمدّ السكك
الحديدية. هكذا على الأقل ظنّ العالم السويدي ألفريد نوبل أنه يخدم البشرية، ولم
يتصوّر أن اختراعه سيُستخدم أيضاً في تفجير المساكن وهدم الجسور وقتل البشر والشجر.
لهذا كفّر عن سوء استخدام اختراعه بتخصيص جائزة نوبل المعروفة وأهدافها النبيلة.
وكما نستخدم السكين في تقطيع اللحم والخضار والفواكه، نقدر بذات السكين ارتكاب
جريمة أو عدّة جرائم.
الكلمةُ سلاحٌ خطير لا يقلُّ عن الديناميت أو السكين، بل هي مُقدمة لهما، الكلمة هي
التعبير الأول عن الفعل والسلوك الذي يليها، ويقول أحد الحكماء، ما معناه، أتمنى أن
يكون لي رقبة بطول رقبة الزرافة، بحيث لا يصل انفعالي إلى رأسي قبل أن آخذ فرصة في
التفكير وقبل أن أنطق بكلمة. فليتحسّس كُلٌ منا رقبته.
وسُئلَ حكيمٌ آخرَ، ما الذي ترجوه من نفسك؟ قال، أن أضبطَ لساني حين غضبي. ويُضيف
أحد الفلاسفة، إن أهم اختراع أوجده الإنسان على الإطلاق، هو الأبجدية واللغة،
وتحوّله إلى حيوانٍ ناطق كما يقولون. لهذا نرى اليوم أن الإعلام بأشكاله المُتعدّدة
هو التمهيد الضروري لأي جِهةٍ سواء لشن الحروب وتدمير المدن وقتل الناس، أو لبناء
جسور الحوار وصنع السلام .
فالكلمة مُقدّمة لصنع هذا أو صُنع ذاك. وعلى الرغم من ذلك فقد توصّلت المجتمعات
المدنية الحديثة إلى تقديس حريّة الرأي وبوح الكلام، إلا أنها بذات الوقت كفلتها
ضمن إطار القوانين والأخلاق المنصوص عليها في دساتير الدول والأمم المتحدة ومنظمات
حقوق الإنسان، لأن حرية الرأي والكلمة هي المفتاح الأساسي لإبداع الإنسان وتقدّمه،
ولكن في نفس الوقت فإن تجاوز الإنسان في كلامه حدود الأخلاق والقانون يتحوّل إلى
جنحة ممكن مقاضاته عليها وربما سجنه.
إن جهل بعض المواقع الالكترونية وبعض الناس بمفهوم الديمقراطية وحرية الرأي
والتعبير، قد تقودهم إلى مواقع مُخجِلة وبائسة لا ينفعُ فيها كلام. ومهما يكن من
أمر، فإن المواقع الالكترونية في عالمنا اليوم لأي مجتمعٍ من المجتمعات هي المرآة
العاكسة لمستوى ثقافة وفهم وتطوّر هذا المجتمع لمفهوم الديمقراطية وحرية الرأي
وحقوق الإنسان، وفي مجال الحريّات عموماً. يذهب البعض في الجولان إلى حدِّ تحويل
موقع إلكتروني إلى متراسٍ يتخندقون خلفه لإطلاق التُهم الخطيرة ضد الآخرين دون أي
مسؤولية أو أي وازع من ضمير، مُحاولين تشويه الحقائق والأشخاص. إن نظرية وزير
الدعاية النازي "غوبلز" في مسألة تكرار الكذب حتى يتحوّل إلى حقيقة، هي نظرية فاشلة
في مجتمعٍ كل الناس يعرفون بعضهم البعض، بما فيه سلوكياتهم اليومية. ففي مجتمع صغير
كالمجتمع الجولاني، لا يبعد باب بيت أبعدهم عن الآخر سوى كيلومترات قليلة، يكفي
اللجوء إلى المثل الشعبي البسيط "إلّحق الكذّاب لباب الدار"….
من المؤسف أن يظن البعض أنه لا يستطيع ارتفاع درجة إلاّ إذا حطّم أدراج الآخرين، أو
أنهم كالهواتف العمومية، لا يُعطيك خط إلاّ إذا وضعت في فمه النقود! إن الإنترنت
بقدر ما هو نعمةٌ ومتعة وذات فائدة للجميع، إلا أنه قد يحوّله البعض إلى لعنةٍ
ونقمة، تُلحق بأنفسهم والآخرين الضرر الجسيم، وهنا تكمن مسؤولية أصحاب المواقع بعدم
تحوّلهم إلى أصحابِ متاريس ومدافع.
وبما أنه "الحارة ضيّقة ومنعرف بعضنا"….. نعود لنؤكّد أن مساحة العمل والعطاء وحتى
الفائدة من هذه الشبكة العنكبوتية الهائلة تتّسع للجميع، لكن الذين يتوهمون أن من
خلال تلك الشبكة العنكبوتية يستطيعون قلب الحقائق أو تشويهها وخلق حقائق جديدة أو
بديلة، عبر تكرار الكذب والافتراء، فإن أوهامهم وأحلامهم تلك... أوهـى مــن خـيـط
الـعنـكـبـوت.