الوردة الشائكة
زرقاء اليمامة – 17\12\2009
تحت فيء الأشجار يجلس ذاك الفتى أسمر البشرة، عريض الجبهة. أخذ يجول في ضلال الغابة
بعينيه الواسعتين.. يقطعها شبراً شبرا.. وفي قلبه صدى أصوات لحفيف وريقات أشواق
صفراء، وفي عينيه رسوم لأشباح أخذت تبهت ملامحها رويداً رويداً.. وفي الآذن صدى
لحكايات مروية، جلبة أصوات، رنين ضحكات وهدير أمواج لكلمات تكسرت على شاطئ بحر
الصمت... وعلى شفاهه تزاحمت حروف المعاني تنظم وتنثر قصائد الوداع، بينما تعالت في
مسامعه نغمات معزوفة على أوتار الألم، وحوله طافت أسراب طيور لذكريات مهاجرة إلى
عالم الذكرى البعيد.. وهي تنشد أناشيد الفراق مترنمة بألحان الوداع.
فهو على يقين أنه لا يستطيع الاقتراب منها، ولا يقوى على الابتعاد عنها، وبين
محاولة يائسة لاقتراب لم يتم.. ومحاولة يائسة أخرى لابتعاد لن يتم! خطى خطواته
الأولى في طريق يأس لا نهائي.. وانبعثت في الأجواء الحان حزينة أخذت تعلو شيئاً
فشيئاً في سماء الغابة...
هناك في الغابة أمامه، تحت أشعة الشمس وحرارتها الحارقة، وردة حمراء انحنت متثاقلة،
متعبة، عطشى... تنظر بعينين متعبتين نحوه ونحو الضلال، تبحث بجذورها الصغيرة
الناعمة عن قطرة ماء تنعشها فتعيدها إلى الحياة. وكعادته معها كلما وجدها على هذا
الحال تقدم منها ليرويها.. انحنى إليها ليقربها من أنفه ليشتم عطرها.. مد يده
ليقربها منه.. تلك اليد التي روتها قبل برهة من الزمن، وما كان جواب الوردة له إلا
شوكة أدمته! تراجع مذعوراً لا يستطيع فهم ردة الفعل عندها.. تحسس جرحه.. ضغط عليه
بقوه.. تألم بداية الأمر.. ثم شعر بعدها بلذة ناعمة، منبعها ذلك الإحساس العميق
بالألم. وقد وجد السلوى بالتضحية حين رآها تتمايل بجمالها وقد بعثت الحياة فيها من
جديد. أما هي فقد أخذت تهتز مختالة بقوة أعادها هو إليها، بعد أن كانت متعبة ومنهكة.
دمعت عيناه عند جذورها لترويها مرة أخرى.. رفع وجهه نحو السماء.. أدار ظهره إليها..
وتقدم بصمت مؤلم مطرقاً رأسه... أكمل خطواته العشر ليدير وجهه إليها.. لينظر آخر
نظرة لتلك الوردة المزهوة بطيبها، ولكن، عندها انحدرت دموعه كشلال غاضب، وقلبه ظل
يعتصر ألماً داخل صدره، عندما رآها تنحني مكسورة عطشى خلفه.. فينابيع الغابة قد جفت
وفصل الربيع لا زال في بداياته...