أورفيوس
شعر: ياسر خنجر
لها فسحة بين أوتار جيتارة،
لتعود إليها إذا خذلتها العيون
ولم تفرش الكحل من حولها،
فيذبل في صدرها النرجس
ويفيء لأحضان هادسَ
عن أقاصي الجسد،
فترخي أصابعها الحائرة
على وتر يشتهي قبلة دافئة.
يشتهي أن تحك ضفافه في رقة وشغف
في لهفة وسكون.
لها أن تبوح أصابعها بدلا عن شفاهٍ
مطرزة من هدوء الشفق،
بكل الحريق الذي يعبق
بين صفصاف أحلامها،
فيورق في كفها أورفيوس.
أورفيوس الذي انكسرت روحه مرتين،
وظل جميلاً يدلل أوتار جيتاره
لتهدأ في جسد الكائنات
طقوس الغضب،
ويستيقظ النرجس الغافل
حاملاً وهج الأسئلة:
من خبأ العشق بين حوافي الوتر
ليفيض سنابل من لمسة،
ويخفف عبء انكسار الأنوثة في صدري؟
وكيف اهتدى أورفيوس إلى عتمتي
وأضاء بهمسٍ "بلمسٍ" طريق القيامة،
نخطو على جانبيه معاً،
وقد عدت من غبار الرحيل
مثقلة بعناء الوصول
إلى جسدٍ أنتمي لظلاله،
أبحث عنه... ويبحث عني؟.
نخطو دون أن أتلفت خلفي،
مشيّعة عتم مملكةٍ، سأفيء مهما يمتد بي زمنٌ،
مهما أكثُر معرفةً،
سأفيء ثانية إليها.
لفتة ستمنحني فسحة من هواجس،
وترجعني من حدود الغياب،أقل اخضرارا،
وأكثر حلماً.
أي غمامٍ سيمتد تحت خطاي؟
وأي الجهات أيمّم... أي الجهات؟.
بي رغبة أن أوسّعَ هذا المدى
بضع هواجس أخرى.
بي لهفة لوداع أخير، لأسئلة خذلتني،
وأسأل،
عن سرّها..
عن خطايا الروح في ليل المعابد.
أترك عيني عالقتين على باب مملكة الغائبين،
وأجهش.
أصلّي لكي تحفظ الآلهة أورفيوس وأوتار جيتاره
ليرجع للنرجس الذابل،
خاتم العرس واللهفة الثائرة.
لكي يرجع النرجس الذابل إلى عطشي،
أشدّ زهواً.
إنني عائدة صوب انكساري أشد زهواً،
ما دمت أنتمي لأسئلة التراب،
لا لأجوبة السّما.
وقد خذلتني هنا الأسئلة،
خذلتني لهفة المعرفة
وهادسُ يفتح كفّين ودعتهما قبل لفتتة
ليحضنني.
وداعاً لكفيّك أورفيوس دافئةً دافئة
سلاماً لأحضان هادس باردةً باردة.
وأرحل صوبك ثانية،
واثقة أن حلمي أوسع من عتمك السرمديّ،
وأني أرحل صوبي واثقةً، واثقة،
أرحل.
خُطاي ليست تُحد بوقعٍ على العشب،
لكن خطايا وترٌ يوقظ العشب،
ويرقص بين أصابع أورفيوس.