«خطيئة بلا خطأ».. خطوة رائدة
سميح أيوب - 23\01\2010
اعتمدت الحضارات الإنسانية منذ القدم على المسرح كثقافة للتعبير الفني في نقل الحدث
أو معالجة قضايا اجتماعية تتأرجح بين الواقع والخيال، لتعطي المشاهد صورة نقدية
لواقع معين أو لتمجيد تاريخ شعب.
فمنذ عهد الإغريق والرومان الذين ما زالت أثار مسارحهم قائمة في الحقيقة وليست فقط
في الذاكرة شاهدة على ذلك (آثار بصرى، جرش، وبعلبك وغيرها في أصقاع الأرض)، سمي
المسرح أبو الفنون، فهو مشروع ثقافي عالي المستوى لذوق متميز ونمط متكامل، لمعرفة
نهج أو سلوك بطريقة رمزية تعكس القيم والأهداف لشريحة إنسانية بقصد النقد للتغيير
والإصلاح أو الترفيه والضحك، وربما إعطاء متنفس لطبقة مضطهدة تعاني القهر كما يجري
في دول الأحكام الدكتاتورية. ولكن يبقى أن نعي حقيقة هي أنه أينما يوجد المسرح توجد
الثقافة وتنوير الشعوب بتواصلها مع الواقع والحدث.
لست ناقداً مسرحيا، فذلك يحتاج إلى المهنية، ولست مروجاً لمسرحية أو لفرقة، ولكن
يكفيني افتخارا أن انتمي لمجتمع يظهر الإبداع من رحم المأساة وبجهود ذاتية، وأعتز
بجمهور ارتاد المسرح مشجعا لشباب يغدقون في العطاء وإبراز المواهب. تختفي الكلمات،
وتحدق العيون إعجابا، فيسود الصمت حينا وتلتهب الأكف من التصفيق أحيانا...
إن مسرحية "خطيئة بلا خطأ" تجربة رائدة لعمل مسرحي يحاكي الواقع كما يحاكي الخيال،
يطرح مواضيع حساسة: ترابط العائلة، مستوى الثقافة ومسؤولية الأبناء، التناقض الطبقي
والاستغلال الاجتماعي والمادي، والظروف النفسية التي تعيشها الأسرة، متربعة في
مقدمتها أرملة أحبت وكرهت في آن واحد كلاً من حبيب قديم وزوج خائن، بل متغطرس،
وأخيرا يأتي الفرج لدمل الجراح عبر حكمة أب نصف ابنته في ورثة تساعدها بإبعاد شبح
الذل والحاجة لتعيش بكرامة.
ما أحوجنا لنقد بناء، وما أحوجنا لساعة من الزمن نعيشها مع البسمة والألم، علها
ترفهنا وتنير عقولنا نحو الدفء العائلي، وتنصف فتياتنا وأخواتنا لصون كرامتهم من
علم وثقافة ومادة.
أحسنت معتز الرائد الأول في اختيار النص واختيار شخصيات الأدوا. شكراً لمن عمل
وساهم في بناء هذا الصرح الثقافي العظيم. وجزيل الشكر للشباب الواعد في أداء
الأدوار، ولكل من حضر مشجعا هذه التجربة الرائدة، مع تمنياتنا بالتقدم والازدهار
لمسرح عيون.. لتبقى عيون الجولان ومحبيك...