الجولان المحتل .. قراءة في معضلات الواقع 8
المسرح في الجولان ... واقع وآفاق
سيطان الولي * - 24\01\2010
إن كان مسرح عيون , يشكل الدفق الجديد الأكثر تطورا في مجال الإعمال الدرامية
المسرحية التي يشهدها الجولان في السنوات الخمس الأخيرة , إلا انه بواقع الحال ليس
البداية . فقد ابتدأت الإعمال المسرحية في الجولان على منصات المدارس الابتدائية
والثانوية في سبعينيات القرن الماضي .
كان المعلمون في المدارس وبالتعاون مع الطلاب , ينظمون احتفالية يوم الطالب , التي
تتضمن العديد من الفقرات الفنية , الغنائية والمسرحية والرقصات والدبكات والعروض
الرياضية . اعتمدت على التلقائية والمواهب الإبداعية الذاتية . وكانت الإعمال
المسرحية تعالج هموم الطلاب ومشاكلهم وظروفهم المحيطة بواقعهم الاجتماعي والثقافي ,
يكتب نصوصها من تتوفر فيه الإمكانية في التأليف , ويؤدي فقراتها مجموعة من الطلاب
والطالبات , يخضعون لمرحلة تدريبية " شاقة" يقوم عليها معلم أو أكثر , ليس لكونهم
مختصين بالإخراج المسرحي , إنما لكونهم معلمين
يمتلكون صلاحية الأمر والنهي والتوجيه, كما شرطي المرور. وفي وقت الاحتفالية على
منصة المدرسة يؤدي الطلاب أدوارهم في تنفيذ الأداء الدرامي المطلوب منهم،
وفق سياقات نصية كانوا حفظوها أثناء التدريب وأداء الحالات الانفعالية والتعبيرية،
وفقا للحالة الخاصة للمؤدي وقدراته الذاتية ومهاراته التلقائية،
دون إن يكون أحد منهم قد درس الفنون المسرحية، ودون
أن يفقه أي شيء عن المسرح أصلا. نجحت تلك الأعمال
بمعاييرها آنذاك، وكانت لافتة
للنظر، وتلقى القبول والاستحسان من الجمهور. لكنها كانت
بلا جذور ودون آفاق. ليس إلا عدة شموع اضاءت المساءت
الحالمة لأفواج الطلبة الذين ينشدون المستقبل من على مقاعد الدراسة،
دون أن تكون لهذا المستقبل سبل جلية للسير عليها.
لم تنطفئ جذوة تلك الشموع، ولم تبق الأحلام مقصورة على
أن يصبح هذا الطالب مهندسا أو ذاك طبيبا. والسبل ليست هي ذاتها
في المراحل المتقدمة من الزمن. وبدلا من أن
يدرس الطالب على أضواء الشموع - وهذه حقيقة – باتوا يدرسون على أضواء الكهرباء
الدائمة، ولم تكن الإنارة لتقتصر على الأجهزة المضيئة،
إنما تعدت ذلك لتضحي إنارة للعقل ومن العقل، إنارة
للسبيل الذي يسير عليه طالبي العلم والمعرفة، إنارة
للآفاق التي ينشدونها ويحلمون بها،
وللطموحات التي يسعون لتحقيقها. فما عادت منصات المدارس تتسع لتلك الطموحات،
وما عادت التلقائية رديفا لتجسيد الأحلام، بل أن
الأحلام ذاتها باتت واقعا مثقلا بالإمكانيات، تنتظر
أن تنطلق نحو الفضاءات العملية والتنفيذية.
أثمرت جهود أولئك الحالمين على مقاعد الدراسة، سواء
الثانوية أو الجامعية، في هذه الجامعة أو تلك في دمشق،
حيث أول إرهاصات المسرح العربي الحديث، الذي أنشأه أبو
خليل القباني.
اجتمعت تلك الإمكانيات لتنشأ عندنا،
هنا في الجولان السوري المحتل، أول فرقة مسرحية،
فرقة مسرح عيون، ويبنى أول مدرج مسرحي،
في قاعة الجلاء، ويترافد خريجي المعهد العالي للفنون
المسرحية في جامعة دمشق، مع خريجي المعاهد في حيفا
وغيرها، من أبناء الجولان المحتل،
وأبناء فلسطين المحتلة، ليدفعوا بهذه الطاقات
والإمكانيات والمواهب نحو الآفاق المفتوحة، لنشهد بواكير
أعمالهم وإبداعاتهم في أكثر من عمل مسرحي مختلف الألوان والمصادر،
بتعثر هنا ونجاح هناك، وإخفاق هنا وتمييز هناك،
فلا بأس، الأهم أن الحركة
تسير إلى الأمام ونحو مزيد من التطور.
وإن كانت المسرحية الأخيرة "خطيئة
بلا خطأ" إنتاجاً جولانياً
صرفاً، فأنني لا أعتقد
أن كل من القائمين على العمل، من
كاتب المسرحية إلى المخرجة والطواقم الفنية، إضافة
للممثلين، يكتفون بهذا المستوى من التطور والأداء،
وليس نحن، الجمهور، الذي أحب
المسرح وسيواضب على مواكبته ودعمه وتشيعه، نكتفي بهذا.
وإننا إذ نصبو لأن يكون كل مؤدي درامي – مسرحي وكل هاوٍ
للعمل المسرحي، من الجيل الصاعد،
في سبيل أن يكون محترفا بهذا المجال،
حاصلا على شهادة المعهد المسرحي، وإنا نصبو أيضا إلى
أن يُشيّد مدرج حديث، في إطار المركز
الثقافي المزمع إنشاؤه في المشروع الجديد في مجدل شمس،
بمواصفات جديدة من حيث الاتساع والسعة وكل ما يلزم،
ليخدم النشاط الثقافي الآتي بازدياد طردي،
مع المستويات الثقافية الناشئة والمتطورة في الجولان،
ومنها النشاط المسرحي.