لمن لا يقرأ التاريخ
سميح أيوب – 24\01\2010
إذا أردت أن تعرف عدوك عليك أن تعرف لغته، وإذا أردت أن تعرف تفكيره يجب أن تقرأ
تاريخه، فكلاهما يؤدي للمعرفة ولا ينفصل أحدهما عن الآخر...
فمنذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية بزعامة تيودور هرتسل؛
رسمت الخارطة ووضعت الخطوات لإقامة كيان صهيوني يلم شمل اليهود المشتتين في أصقاع
الأرض. وحسب ما ورد في توراتهم للعودة إلى أرض الميعاد. مع استغلال تعاطف الشعوب
الإنسانية معهم لما آلت إلية أوضاعهم فيما بعد من كراهية وظلم من قبل النازيين.
ولمهزلة التاريخ أن يكون احد المتعاطفين معهم الملك فيصل ملك بلاد الشام، حيث بعث
برسالة للزعامة الصهيونية يقول فيها "بما معناه":
إلى أبناء عمنا من أبناء العرق السامي.. يؤلمنا ويعز علينا أن نسمع ما آلت إليه
ظروفكم من ظلم وقهر في بلاد الشتات. وإننا ندعوكم إلى شرقنا الحبيب لتشاركوا أبناء
عمكم وطنهم العربي الكبير.
وكانت هذه الرسالة كتشجيع لهجرة اليهود إلى فلسطين ليأتي بعدئذ وعد المشئوم بلفور.
لم يتوقع الحكام العرب، ولقصر نظرهم بالخطر المحدق الآتي من وراء البحار، بأنه
سيقيم كيانه على ارض فلسطين ويعمل على تشتت شعبها.
عاد اليهود من الشتات ليشتتوا شعباً آخر. وهربوا من الظلم ليُظلم شعب فلسطين والعرب،
فكان هذا جزاء المعروف. وأقاموا كياناً أصبح هدفه التوسع والاعتداء وخدمة مصالح
أسياد بالأمس كانوا جلاديهم.
بدأ التوسع والاحتلال ليطال الضفة الغربية وسيناء والجولان.. وبدأ تطرف اليمين
الصهيوني بالمناداة بأرض إسرائيل الكبرى، وتبريرهم هو التوراة وتاريخهم.
ولم نسلم نحن في الجولان من براثن اعتدائهم وظلمهم، ضاربين عرض الحائط جميع
المواثيق الإنسانية والمعاهدات الدولية، ليجعلونا عبر مخططاتهم غرباء في أرضنا،
يمارسون علينا سياسة الخنق عبر مصادرة الأراضي، والطعن في كرامتنا عبر العمل على
سلخنا عن وطننا وتشويه أصالتنا وانتمائنا.
وعودة إلى لغة العدو ومعرفتها، فقد وردت في صحيفة "معا ريف" العبرية بتاريخ
22\01\2010 مقالة تحريضية للصحفي "غلمان ليبيسكند" تحت عنوان "لماذا لم يتم وقف
البناء الغير مرخص في مجدل شمس". يسرد عبرها العمل في مشروع الوقف. يصف فيها
الأهالي بأنهم يستولون على أراضي دولة إسرائيل، يعملون فيها على شق الطرق، وعلى
مرأى من سلطات الاحتلال وجنوده ومؤسساته، دون أن تحرك تلك ساكناً أو تعمل على
إيقافهم.
إنه تجاهل لتاريخنا وعلاقتنا مع هذه الأرض المحتلة والتي هي جزء من وطن ومن مشاع
قرية مجدل شمس، قبل قيام هذا الكيان العنصري التوسعي بمئات السنين، وهناك اتفاقيات
عقدت مع سكان القرى المجاورة لترسيم حدودها قبل الاحتلال.
لربما يجهل هذا الصحفي التاريخ.. ولكنة لا يجهل استيلاء دولته على الأراضي وإقامة
المستوطنات ودعوة المستوطنين إليها، للعمل على توازن ديموغرافي في الجولان، كما في
مناطق أخرى، وقبل أن يكتب بهذه الصيغة التحريضية خارقا أسس النزاهة الصحفية، كان
يجب عليه الاطلاع على الحقائق المتمثلة بملكية السكان للأرض، وعلى سياسة الحنق وعدم
توسيع الخارطة الهيكلية للقرى، التي تحولت في الفترة الأخيرة إلى بيوت متراصة بعد
أن كانت تتخللها الحدائق الغناء لتغرق في الازدحام.
لم يكن هناك مفر من التحدي والمواجهة لإحقاق العدالة عبر إعادة السيطرة على أرضنا
المهددة بأطماع سلطاته،
والقيام بشق الطرقات والعمل على توزيعها للأزواج الشابة دون منة من احد منهم،
اعتبرهم الكاتب سلطات، كسلطة حماية الطبيعة، دائرة أراضي إسرائيل أو لجنة البناء
والتنظيم.
فالمراقب للأحداث الأخيرة في الجولان يلاحظ بأن هذه الهبة الشعبية هي الثانية إذا
ما اعتبرنا الهبة الأولى هو الإضراب عام 1982، فكلاهما انتفاضة حق: الأولى للحفاظ
على الجنسية والكرامة، والثانية الحالية لإعادة الأرض لأصحابها الشرعيين ودرء خطر
مصادرتها. فمن يريد الحفاظ على الأرض لا يصادرها ويبني عليها
مستوطناته، ومن يريد المحافظة على الطبيعة لا يقوم بحرقها أو قطع أشجارها.
أما بالنسبة لخطر، البناء العشوائي كما ورد في المقالة، فان كاتبه يجهل إمكانياتنا
وطاقات شبابنا الهندسية والعلمية والثقافية، وهم جزء من هذا المشروع والعمل على
انجازه.
لقد خلط السيد "لبيسكند" الأوراق من تحريض للرأي العام، إلى التحريض على تقصير
الجهات المسؤولة، من شرطة، سلطة حماية الطبيعة أو وزير الإسكان "ارئيل ايناس"،
ليطول تحريضه أيضا "اسحق اهارونوفيتش" وزير الأمن الداخلي والسلطة المحلية المعينة
في مجدل شمس.
ربما لم يعاصر السيد "لبيسكند" الهبة الشعبية عام 82، أو لم يقرأ عنها، ولكن أسياده
ما زالوا يذكرون، وهذا ما صرح به عبر المقال عن لسانهم، بأن تدخل السلطة سوف يريق
الكثير من الدماء، وما أتى على لسانه ما وصفه بالـ "تحريض عبر مواقع الانترت
المحلية" لعرضها تهديدات الجماهير الغاضبة، فإنه قرأ العنوان صحيحاً.
فنحن أقلية مسالمة، لا نريد سوى الحفاظ على الأرض والهوية والكرامة. سنبقى ملتزمين
بانتمائنا لوطن ننتظر عودته، ولشعب وقومية نعتز بها. وحدتنا هي قوتنا، وسندفع
حياتنا ثمنا للحفاظ على الأرض والكرامة. هذا ما علمنا إياه الأجداد والآباء، وهذا
ما شهده تاريخنا على مر العصور.