شيفرة المتنبي
وهيب أيوب - 12\02\2010
أكثر من عشرة قرون مرّت على رحيل شاعر العرب الأول أبي الطيب المتنبي، وما زال هذا
الشاعر اللغز الذي كُتبِت عنه مئات الدراسات والكتب، وتضاربت الآراء حول سيرته وما
اكتنفها من غموض، يربك الكثير من الباحثين والكتّاب، ومنهم عدد من المستشرقين،
الذين احتاروا في أمره.
فالمتنبي لم يكن مُجرّد شاعر والسلام، فقد عُرِف بطموحه السياسي وبشعره الحكمي الذي
لم يطاوله فيه شاعر آخر على مدى قرونٍ عديدة. وتُفيد مصادر عديدة منها الشاعر
أدونيس في كتابه "الكتاب" وهو من ثلاثة أجزاء، أن المتنبي كان قارئاً ومطّلعاً على
الفلسفة اليونانية التي هداه إليها أبو الفضل الكوفي، لهذا سنرى تشابهاً بين بعض
أشعار المتنبي ومقولات فلسفية للفيلسوف الإغريقي الشهير أرسطو (سنورد بعضها في
خاتمة المقال). وكانت بعض الحركات الباطنية في الإسلام قد اعتمدت الفلسفة اليونانية،
بشكل أساسي، كقاعدة انطلاق لصياغة عقائدها المذهبية الجديدة، فكان من أهل السنّة،
بالمقابل، أن ناصبوا أولئك العداء واعتبروهم خارجين عن الإسلام والسُنّة، وقد تمت
ملاحقتهم وتقتيلهم وإفناء كتبهم؛ باختصار تم تكفيرهم جميعاً على مبدأ: "من تمنطق
تزندق". وكانت "المُعتزلة" التي ظهرت أواخر العصر الأموي وبداية العبّاسي والتي
كانت تقدّم العقل على النقل، من أبرز الحركات الباطنية آنذاك، حيث ازدهرت حركات
ترجمة الفلسفة اليونانية وبلغت أوجها في عصر الخليفة العباسي المأمون الذي كان
شغوفاً بالفلسفة واعتنق مذهب المعتزلة، أثناء خلافته كما هو معروف، والتي تقول بخلق
القرآن.
كما أن الجاحظ والرازي وابن الراوندي قد اعتنقوا مذهبهم.
المتنبي
كما صوره جبران خليل جبران
ما يهمّنا في هذا الموضوع، أن غالبية الذين بحثوا في سيرة المتنبي ذكروا أنّه كان
ينتمي لإحدى تلك الحركات الباطنية الفلسفية بل كان أحد دعاتها، ويُقال أنه كان
يُطلق عليه، في إحدى مراحله، لقب الإمام وكان له مُريدين كُثُر. ويقول الأديب طه
حسين في أحد كتبه عن المتنبي أنه كان داعيةً قُرمطيّاً، وقد انتمى للقرامطة الذين
أنشأوا حركتهم ثم دولتهم في جنوب العراق والبحرين والإحساء، وكان لهم شأن كبير في
تهديد مركز الخلافة العبّاسية في بغداد، إضافة لنشوء دولة شيعية أُخرى في المغرب
وشمال أفريقيا- الدولة الفاطمية- التي امتدت إلى مصر بعد الإطاحة بالإخشيديين
والاستيلاء عليها، على يد القائد الفاطمي جوهر الصقلّي، وبناء الأزهر كجامعة لمختلف
العلوم، وباتت القاهرة، التي بنوها، عاصمتهم ومركز خلافتهم التي استمرت نحو ثلاثة
قرون حتى سقوطها على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1168م .
ويذكر المؤرّخ السوري سهيل زكّار في كتابه "أخبار القرامطة" في جزأين، أن المتنبي
قد ذهب إلى مصر في عهد الإخشيديين مرتين، وكانت الأولى قبل أن يُصبح شاعراً مشهوراً،
عندما ذهب كداعية إسماعيلي دون أن تُعرف هويته. من هنا نقول أن المتنبي، لا شك، كان
صاحب مشروعٍ سياسي كبير يهدف من ورائه لإقامة إمارة على المذهب الشيعي، ربما "القرمطي"،
ويقول في أحد أبياته مُرمِزاً إلى سموّ هدفه ورسالته:
يقولونَ لي ما أنتَ في كلِ بَلدةٍ وما تبتغي؟ ما أبتغي جَلَّ أن يُسمى
لهذا كان شعره في المدح أو الهجاء ذا أهداف سياسية وعقائدية، فقد مدح كافوراً لينال
مراده وعندما توجّس منه كافور ولم يعطه مبتغاه قام المتنبي بهجائه بأقذع الألفاظ
والمعاني، ومنها:
عيدٌ بأيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عِـيدُ | |
بِما مَضَى أَم لأَمْرٍ فِيكَ تجدِيدُ | |
أَما الأَحِبةُ فالبَيَداءُ دُونَهُمُ | |
فَلَيتَ دُونَكَ بَـيْدًا دونَهــا بِيدُ | |
إِنّي نَزَلتُ بِكَذابِـينَ ضَـيفُهُمُ | |
عَنِ القِرَى وعَنِ الترحالِ مِحدُودُ | |
جُودُ الرّجالِ منَ الأَيْدِي وَجُـودُهُـمُ | |
منَ اللِسـانِ فَلا كَانُوا وَلا الجوُدُ | |
ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نفوسِهِـمِ | |
إِلا وفي يدِهِ مِن نَتَـنِها عُود | |
صار الخَصِي إِمام الآبِـقين بِها | |
فالحُـر مستعـبَد والعَـبدُ مَعـبُودُ | |
نامَت نواطِيرُ مِصـرٍ عَـن ثَعالـبِهـا | |
فقد بَشِمْـنَ وما تَفْـنى العناقـيدُ |
بعدها حاول كافور الإخشيدي
اغتيال المتنبي على أرض الجولان من الناحية الجنوبية في منطقة تُدعى "كفر عاقب"،
كما يروي الكاتب السوري تيسير خلف في كتابه "الجولان في مصادر التأريخ العربي"
ويورد فيه أبيات من الشعر للمتنبي تَصف تلك المحاولة:
أتاني وعيدُ الأدعياء وأنهم أعدّوا ليَ السودان في كفرِ عاقبِ
ولو صدقوا في جدّهم لحذِرتَهم فهل في وحدي قولهم غير كاذبِ
وعلى أرض الجولان أيضاً أنشد المتنبي قصيدته الرائعة في مدح أمير طبريا بدر بن
عمّار محاولاً استمالته إلى مذهبه القرمطي الذي كان عليه بدر، ويقول في مدحه لابن
عمّار:
وردٌ إذا وَرَدَ البحيرةَ شارِباً وَرَدَ الفراتَ زئيره والنيلا
مُتخضِّبٌ بدمِ الفوارس لابس في غيلهِ من لُبدتيه غيلا
وقد حافظ المتنبي طيلة حياته على إخفاء نسبه الحقيقي ولم يُفصح عنه حتى في شعره،
إلا أنه كان يعتز بنسبه هذا تلميحاً حيث يقول في إحدى قصائده:
سيعلمُ الجمع ممّن ضم مجلسنا بأنني خيرٌ من تسعى به قَدَمُ
ويذهب البعض إلى إعادة نسب المتنبي لإمام الشيعة الثاني عشر الإمام "محمد بن حسن
العسكري" وذلك على حد زعم الكاتب عبد الغني الملاح، ويضيف أن اسمه: "أحمد بن محمد
بن حسن العسكري"، لكن آخرين نفوا هذا النسب، لتبقى مسألة نسبه حتى اليوم لغزاً لا
يُحل.
ولكن مما لا شك فيه أن المتنبي كان على أحد مذاهب الشيعة وداعياً لهم. فقد عاش
المتنبي تسع سنوات في كنف سيف الدولة الحمداني الذي كان شيعياً، وأنشد هناك أروع
قصائده، ويقال أنه أحب أخت سيف الدولة "خولة" التي رثاها المتنبي بعد موتها:
ولا ذكرت جميلا من صنائعها إلا بكيتُ، ولا ودّ بلا سببِ
ثم زار الدولة الشيعية الأخرى التي أقامها الفُرسُ، وهي الدولة البويهية، ومدح
صاحبها "عضد الدولة بن بويه الديلمي".
وكان أبو العلاء المعري شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، الذي أنكر الرُسلَ والأديان
جميعاً أسوة بالرازي وابن الرواندي، قد كتب كتاباً عن المتنبي بعنوان "مُعجَز أحمد"،
شرح فيه ديوان المتنبي، ولم يتطرّق إلى نسب المتنبي واسمه الكامل ليزيد الأمر غموضاً
على غموض، وينفي المعري، ادعاء المتنبي النبوّة، التي سُجنَ بسببها، ويقول أن لقبه
المتنبي مُشتق من النَبْوَة التي تعني العلو والارتفاع والترفّع والرفعة. وهذا ما
كان يقوله المتنبي أيضاً.
وكان المعري عند ذكر بيت المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صَمَمُ
يهز برأسه ويشير إلى أنه المقصود بهذا البيت. والمعري كان من أشدّ المعجبين
بالمتنبي.
والغريب في الأمر أن أحداً من فرق الشيعة لم تدّعِ نسب المتنبي إليها، لكنني بمحض
الصدفة قرأت كتاباً من الحِكمِ والمواعظ للموحدين الدروز الذين نشأوا إبان الدعوة
الفاطمية في مصر أيام الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله والذين اتخذوا من
الفلسفة اليونانية قاعدة أساسية في بناء مذهبهم، خاصة فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو
الذي يعتبر في المذهب التوحيدي "الدرزي" مولى الكَلِمة، وأفلاطون النَفسْ،
وفيثاغورس العَقلْ، وجدت فيه مُقارنة لأبيات من شعر المتنبي بمقولات فلسفية
للفيلسوف أرسطو، محاولين تبيان تأثّر المتنبي بفلسفته ومحاولته استقاء شعره الحكمي
عنه. ولا أدري ما المقصود هنا، هل اعتبارهم أن المتنبي كان ينتسب إليهم؟ وهذا يتفق
مع ما ذهب إليه طه حسين من أن المتنبي كان قرمطياً، والمعروف أن القرامطة
والفاطميون هم على ذات المذهب، أم تدليلاً على عظمة فلاسفتهم اليونانيين بحيث أن
شاعراً عظيماً كالمتنبي قد أخذهم قدوة له ومعيناً فلسفياً آمن به الشاعر من خلال
انتمائه لأحد الفرق الشيعية حينها كما أسلفنا؟ أم الاثنان معاً؟ وربما يكون ما
أورده طه حسين من انتماء أبي الطيب المتنبي لحركة القرامطة قريباً للتصديق، وقد
يكون هذا سبب ذِكرْ المتنبي في أحد كتب الحِكمُ والمواعظ للموحدين "الدروز" ومقارنة
شعره بمقولات للفيلسوف أرسطو!.
إن دمار المكتبة الفاطمية "دار الحكمة" التي كانت تضم أكثر من مليوني كتاب، منها
عشرات ألوف الكتب الفلسفية والأدبية والعلمية وغيرها، بعد دخول صلاح الدين الأيوبي
إلى مصر وإنهاء العصر الفاطمي، ومكتبات أُخرى تم تدميرها في بغداد وقلعة "ألَموت"
التابعة لفرقة إسماعيلية سُميّت "الحشاشين" وزعيمهم الشهير حسن الصبّاح، على يد
هولاكو المغولي عام 1258م، قد أضاع علينا الكثير من المعلومات التي بات تأويلها
لغزاً مُحيراً في كثيرٍ من الأحداث التي دوّنت في حينه وضاعت إلى غير رجعة.
وكما كان نسب المتنبي ومسيرته مثاراً للجدل والاختلاف، كان مقتله أيضاً عام 965م،
مثار اجتهادات عدّة، فالقصة الرائجة أنه قُتل على يد فاتك الأسدي خال ضبّة بن يزيد
الأسدي التي هجاها المتنبي بقوله:
ما أنصف القوم ضبّة وأمهُ الطرطبة رموا برأس أبيه وباكوا الأم غلبة
فلا بمن ماتَ فخرٌ ولا بمن رغبة وإنما قلتُ ما قلتُ رحمة لا محبة
لكن آخرين يعتقدون أن موته كان اغتيالاً سياسياً بامتياز، لِما كان يُشكّل المتنبي
من خطرٍ على الملوك والخلفاء، ويرجّح بعضهم أن االبويهيين وراء اغتياله، وربما
غيرهم، ليبقى سر قتله كلغز حياته ونسبه وحقيقة معتقده.
وأكاد هنا أسمعُ المتنبي يختتم المقال بقولهِ:
أنامُ ملء جفوني عن شواردِها ويسهرُ الخلق جرّاها ويختصِمُ
*مقولات أرسطو مقارنة بأبيات للمتنبي: > منقولة عن موقع "فهد أون لاين"
قال أرسطو: إذا كانت الشهوة فوق القدرة، كان هلاك النفس دون بلوغها.
قال المتنبي: وإذا كانت النفوس كبارا ** تعبت في مرادها الأجسامُ
– — ——————————-
قال أرسطو: النفوس أغراض لحوادث الزمان.
قال المتنبي: إذا اعتاد الفتى خوض المنايا **فأهون ما يمرُّ به الوحولُ
———————————–
قال أرسطو: الألفاظ المنطقية مضرَّة بذوي الجهل لنبوّ إحساسهم عن إدراكها.
قال المتنبي: بذي الغباوة من إنشادها ضررٌ **كما تضرُّ رياح الوردِ بالجُعَلِ
———————————–
قال أرسطو: الزمان ينشئ ويلاشي، فغنى كل قوم سبب لكون قوم آخرين.
قال المتنبي: بذا قضتِ الأيامُ ما بينَ أهلها **مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
———————————–
قال أرسطو: باعتدال الأمزجة وتساوي الإحساس يفرق بين الأشياء وأضدادها.
قال المتنبي: وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظره **إذا استوت عنده الأنوار والظَلمُ
———————————–
قال أرسطو: من لم يردك لنفسه فهو النائي عنك وإن تباعدتَ أنت عنه.
قال المتنبي: إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا **إن لا تفارقهم فالراحلون همُ
———————————–
قال أرسطو: من علم أن الفناء مستولٍ على كونه هانت عليه المصائب.
قال المتنبي: والهجرُ أقتلُ لي مما راقبهُ **أنا الغريقُ فما خوفي من البللِ
———————————–
قال أرسطو: العيان شاهد لنفسه، والاختبار يدخل عليها الزيادة والنقصان.
قال المتنبي: وخذ ما تراه ودعْ شيئًا سمعت بهِ **في طلعةِ البدر ما يغنيكَ عن زحلِ
———————————–
قال أرسطو: قد يفسد العضو لمصلحة الأعضاء.
قال المتنبي: لعلَّ عتبَك محمودٌ عواقبهُ **وربما صحَّت الأجسام بالعللِ
———————————–
قال أرسطو: مباينة المتكلف المطبوع كمباينة الحق الباطل.
قال المتنبي: لأن حلمك حلمٌ لا تكلَّفهُ **ليس التكحل بالعينين كالكحلِ
———————————–
قال أرسطو: علل الأفهام أشدُّ من علل الأجسام.
قال المتنبي: يهون علينا أن تُصاب جسومنا **وتسلم أعراضٌ لنا وعقولُ
———————————–
قال أرسطو: مَن تخلَّى عن الظلم بظاهر أمره وعنت جوارحه وكان مساكنًا بحواسه فهو
ظالم.
قال المتنبي: وإطراقُ طرف العين ليس بنافعٍ **إذا كان طرف القلب ليس بمطرقِ
———————————–
قال أرسطو:
من يجعل الفكر في موضع
البديهة فقد أضرَّ بخاطره وكذلك مَن جعل البديهة موضع الفكر.
قال المتنبي:
ووضع الندى في موضع
السيف بالعلى **مضرّ كوضع السيف في موضع الندى
———————————–
قال أرسطو:
إذا لم تنصرف عن النفس
شهواتها ومرادها، فحياتها موت ووجودها عدم .
قال المتنبي:
ذلَّ مَن يغبطُ الذليل
بعيشٍ ***ربَّ عيشٍ أخفّ منه الحمامُ
———————————–
قال أرسطو:
الفرق بين الحلم والعجز أن
الحلم لا يكون إلا عن قدرةٍ والعجز لا يكون إلا عن ضعفٍ فلا يسمى العاجز حليمًا وهو
عاجز.
قال المتنبي:
كل حلمٍ أتى بغير اقتدارٍ
***حجة تلتجئ إليها اللئامُ
———————————–
قال أرسطو:
النفس الذليلة لا تجد ألم
الهوان، والنفس الكريمة ترى الأشياء بطبعها.
قال المتنبي:
مَن يهنَ يسهل الهوان عليه
***ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
———————————–
قال أرسطو:
الجاهل لا يحلو عنده
طعم العلم بل يجد له ثقلاً كما تنقل على المريض الأدوية النافعة ويخلو له في فمه
غير طعمها.
قال المتنبي:
ومن يكُ ذا فمٍ مرٍّ مريض
***يجد مرًّا به الماء الزُلالا
———————————–
قال أرسطو:
ليس جمال ظاهر الإنسان مما
يستدلُ به على حسن فعله وفضله.
قال المتنبي:
لا يعجبنَّ مصونًا حسن
بزَّته ***وهل يروق دفينًا جودة الكفنِ
———————————–
قال أرسطو:
مَن نظر بعين العقل ورأى
عواقب الأمور قبل مواردها لم يجزع لحلولها.
قال المتنبي:
عرفت الليالي قبل ما صنعت
بنا ***فلما دهتني لم تزدني بها علمًا
———————————–
قال أرسطو:
لا برح الفضل بترك الذمّ ثم
التناهي في المدح.
قال المتنبي:
ومني استعاد الناس كل غريبةٍ
***فجازوا بترك الذم إن لم يكن حمدُ
———————————–
قال أرسطو:
مَن لم يرفع قدره عن قدر
الجاهل، رفع الجاهل قدره عليه.
قال المتنبي:
إذا الفضل لم يرفعك عن شكر
ناقصٍ ***على هبةٍ في مَن له الشكرُ
———————————–
قال أرسطو:
مَن أفنى مدته في جمع المال
خوف العدم فقد أسلم نفسه إلى العدم.
قال المتنبي:
ومن ينفق الساعات في جمع
مالهِ ***مخافة فقرٍ فالذي فعل الفقرُ
———————————–
قال أرسطو:
الذي لا يعلم بعلّتهِ لا يصل
إلى برئهِ.
قال المتنبي:
ومن جاهل بي وهو يجهل جهلهُ
***ويجهل علمي أنه بيَ جاهلُ
———————————–
قال أرسطو:
حلول الفناء في عظيم الأمور
كحلوله في صغيرها.
قال المتنبي:
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ***كطعم
الموت في أمرٍ عظيمِ
———————————–
قال أرسطو:
العاقل لا يساكن شهوة الطبع
لعلمهِ بزوالها، والجاهل يظنّ أنها باقية وهو باقٍ، فذاك يشقى بعقله وهذا ينعم
بجهله.
قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم
بعقله ***وأخو الجهالة بالشقاوة ينعمُ
———————————–
قال أرسطو:
وقد رأى غلامًا حسن الوجه
فاستنطقه فلم يجد عنده علمًا فقال، نعم البيت لو كان فيه ساكن
قال المتنبي:
وما الحسن في وجه الفتى
شرفًا له ***إذا لم يكن في فعله والخلائقِ
———————————–
قال أرسطو:
الكلال والملال يتعاقبان
الأجسام لضعف الجسم لا لضعف الحسّ.
قال المتنبي:
وإذا الشيخ قال أفٍ فما ملَّ
***حياةً وإنما الضعف ملاَّ
———————————–
قال أرسطو:
الجبن ذلة كامنة في نفس
الجبان فإذا خلا بنفسه أَظهر شجاعة.
قال المتنبي:
وإذا ما خلا الجبان بأرضٍ
***طلب الطعن وحدهُ والنزالا
———————————–
قال أرسطو:
الغلبة بطبع الحياة،
والمسالمة بطبع الموت، والنفس لا تحبّ أن تموت فلذلك تحبّ أخذ الأشياء بالغلبة.
قال المتنبي:
من أطاق التماس شيء غلابا***واغتصابًا
لم يلتمسه سؤالا
———————————–
قال أرسطو:
الإنسان شبح روحاني ذو
عقل غريزي لا ما تراه العيون من ظاهر الصورة.
قال المتنبي:
لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ
***أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
———————————–
قال أرسطو:
الظلم من طبع النفس
إنما يصدُّها عن ذلك خلتان، خلة دينية وخلة دنيوية سياسية، خوف الانتقام.
قال المتنبي:
الظلم من شيم النفوس فإن تجد
***ذا عفةٍ فلعلةٍ لا يظلمُ
———————————–
قال أرسطو:
ثلاثة إن لم تظلمهم
ظلموك، ولدكَ وعبدكَ وزوجتك، فسبب صلاحهم التعدَّي عليهم
قال المتنبي:
من الحلم أن تستعمل
الجهل دونهُ ***إذا اتسعت في الحلم طرق المظالمِ
———————————–
قال أرسطو:
النفوس المجوهرة تشرك
الشهوات البهيمية طبعًا لا خوفًا.
قال المتنبي:
وترى المروَّة والفتوة
والأبو ***ة فيَّ كلُّ مليحةٍ ضراتها
———————————–
قال أرسطو:
من أثرى من العدم
افتقر من الكرم.
قال المتنبي:
وربَّ مثرٍ فقيرًا من
مروَّته ***لم يثرِ منها كما أثرى من العدمِ
———————————–
قال أرسطو:
أتعب الناس من قصرت مقدرته
واتسعت مروءَته.
قال المتنبي:
وأتعب خلق الله من زاد همه
***وقصر عمَّا تشتهي النفس وجده
———————————–
قال أرسطو:
أَعظم الناس محنةً من قلَّ
ماله وعظم مجده، ولا مال لمن كثر ماله وقلَّ مجده.
قال المتنبي:
فلا مجد في الدنيا لمن قلَّ
مالهُ ***ولا مال في الدنيا لمنْ قلَّ مجدُ
———————————–
قال أرسطو:
أعجز العجز من قدر على أن
يزيل العجز عن نفسهِ فلم يفعل.
قال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس شيئًا
***كنقص القادرين على التمام
———————————–
قال أرسطو:
إذا كان سقم النفس بالجهل
كان الموت شفاءَها.
قال المتنبي:
إذا استشفيت من داءٍ بداء
***فأَقتل ما أعلَّك ما شفاكا
———————————–
قال أرسطو:
اللطايف سماوية والكتايف
أرضية، وكل عنصر هو عائد إلى عنصره الأول.
قال المتنبي:
فهذه الأرواح من جوّه ***وهذه
الأجساد من تربهِ
———————————–
قال أرسطو:
أعظم ما على النفوس إعظام
ذوي الدناءَة.
قال المتنبي:
فإني رأيت الضر أحسن منظرًا
***وأهون من مرءٍ صغير به كبرُ
———————————–
قال أرسطو:
آخر إفراط المتوقي أول
موارد الحزن.
قال المتنبي:
وغاية المفرط في سلمهِ***كغاية المفرط في حربهِ