ماذا حدث في 14\02\1982؟
نبيه عويدات
تصادف في 14 شباط من كل عام ذكرى «الإضراب الكبير» الذي
نفذه أهالي الجولان احتجاجاً على قانون «ضم الجولان» الذي سنه الكنيست الإسرائيلي
في 14 كانون أول من العام 1981، والذي اعتبر مرتفعات الجولان السورية المحتلة عام
1967 جزءا لا يتجزأ من دولة إسرائيل. هذا الضم الذي افتقد ويفتقد إلى أية شرعية
محلية كانت أو دولية.
لم يكن قرار الحكومة الإسرائيلية حينها ارتجالياً، وإنما جاء تحقيقاً لحلم قديم
وتتويجاً لأطماع زرعت بذورها في كتابات الصهاينة الأوائل، الذين رأوا في الجولان
كنزاً يجب ضمه إلى الدولة المزمع إقامتها. فقد ورد في كتابات دافيد بن غوريون، التي
تعود إلى العام 1918، أن الدولة العبرية لا بد لها من أن تضم قضاء القنيطرة، ثم جاء
وايزمن في مؤتمر سان ريمو عام 1920 ليقول بالحرف: "وضعت المنظمة الصهيونية، منذ
البدء الحد الأدنى من المطالب الأساسية لتحقيق الوطن القومي اليهودي. ولا داعي
للقول إننا لن نقبل، تحت ظرف من الظروف، خط سايكس بيكو، كأساس للتفاوض، لان هذا
الخط لا يقسم فلسطين التاريخية ويقطع منها منابع المياه التي تزود الأردن والليطاني
فحسب، بل يفعل اكثر من ذلك، انه يحرم الوطن اليهودي بعض أجود حقول الاستيطان في
الجولان وحوران، التي يعتمد علبها المشروع بأسره الى حد كبير".
لقد عملت الحكومات الإسرائيلية بخطى حثيثة لاحتلال الجولان، مفتعلة الأزمات على
الجبهة السورية لخلق الانطباع لدى الرأي العام العالمي والمحلي الإسرائيلي، بأن
خطراً داهماً يتهددها من الشمال، وأن هضبة الجولان تعطي القوات السورية أفضلية بحكم
سيطرتها استراتيجياً على سهل الحولة، وأنه لا بد من احتلال هذه الهضبة دفاعاً عن
النفس ودرءاً للخطر. وقد اعترف بذلك وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه دايان، في
أحد تصريحاته لجريدة يديعوت أحرونوت، قائلاً: "كنا نرسل جرارا للحراثة، في مكان لا
يمكن أن يُعمل فيه شيء، في المنطقة المجردة من السلاح، ونحن نعلم مسبقا أن السوريين
سيبدأون إطلاق النار، وإذا لم يطلقوا النار، كنا نقول لسائق الجرار أن يتقدم أكثر،
إلى أن يخرج السوريون في النهاية عن طورهم فيطلقون النار. وعندئذ كنا نستخدم
المدافع، وفي وقت لاحق سلاح الجو أيضا. وهكذا كانت الحال، 80% من الاعتداءات نحن
كنا نبادر إليها، لاستفزاز السوريين".
وسقط الجولان في قبضة إسرائيل التي اجتاحته في العام 1967، وتم تهجير قرابة 135 ألف
مواطن سوري كانوا يقطنونه، ودأبت إسرائيل على أن تمحي كل
أثرٍ يدل على وجودهم، فقامت بتدمير قرى الجولان ومدنه فأزالت 132 قرية و112 مزرعة
ومدينتين عن وجه الأرض، لتدّعي فيما بعد أن الجولان كان أرضاً بلا سكان، وأنها
الأحق بالاحتفاظ به لأن لديها مشاريع لإعماره.
بالرغم من ذلك بقي سبعة آلاف مواطن يقطنون في ستة قرى في أقصى شمالي الجولان،
غالبيتهم العظمى من أبناء الطائفة الدرزية. وهنا أخذ المشروع الإسرائيلي منحنى
جديداً، فقد بدأ اللعب على الوتر الطائفي مستغلاً قلة عدد السكان الباقين،
في محاولة لفرض واقع جديد يوحي بأن
هذا المجتمع أصبح جزءا من المجتمع الإسرائيلي.
كانت إسرائيل هنا تهيء الجو لساعة إعلانها ضم الجولان، مستغلة حالة الإحباط العام
الذي أصاب المجتمع بعد هزيمة حزيران 1967 المهينة، وحالة الهلع التي أصابت
المواطنين، بانية مشروعها على أوهام واستنتاجات خاطئة، ربما كان قد أقنعها بها بعض
عملائها في المنطقة، وهي أن السكان ليسوا بحالة تمكنهم من معارضة أية خطوة تقوم بها
إسرائيل لضم الجولان، وأنهم سيخضعون لأن لا حول لهم ولا قوة.
بدأت مشاريع الضم تتتالى على طاولة الحكومات الإسرائيلية. ففي العام 1976 اقترح
إيغال ألون مشروعاً ينص على أن تحتفظ إسرائيل بمنطقة استراتيجية في الجولان، بهدف
منع الحكومة السورية من القدرة على التعرّض لمصادر المياه، ولمنع حدوث هجوم سوري
مفاجئ على الجليل. واعتبر مشروع ألون أن الحدود بين سوريا وإسرائيل يجب أن تمر على
شكل قوس من جبل الشيخ إلى الحمة، تحتفظ إسرائيل بموجبه بالقسم الأعظم من الجولان.
وفي عام 1976 أيضاً اقترح حزب مبام مشروع قرار ينص على أن تمر الحدود مع سورية فوق
هضبة الجولان، بشكل يوفر الأمن والسلامة لمستعمرات الجليل الأعلى وغور الأردن، ومن
ثم يعتبر ما بقى من الهضبة منطقة منزوعة السلاح. ولف الغموض المشروع، إذ انه نادى
بحدود يمكن الدفاع عنها، وأكد أن إسرائيل لن تعود إلى حدود الرابع من حزيران عام
1967.
تبع ذلك عدد من الخطوات التمهيدية لقانون الضم. ففي العام 1979 وقّع 73 عضواً من
أعضاء الكنيست الإسرائيلي على عريضة قدمت للحكومة تطالبها باعتبار الجولان جزءاً لا
يتجزأ من إسرائيل. وفي العام 1980 تم تعديل قانون الجنسية الإسرائيلية، بحيث مكّن
القانون الجديد وزير الداخلية منح الجنسية لسكان المناطق التي احتلت عام 1967،
فبدأت السلطات الإسرائيلية بمنح الجنسية لبعض سكان الجولان بشكل سري، وكان معظم
هؤلاء، وعددهم لا يتجاوز العشرات، من الموظفين الذين يتقاضون أجورهم من سلطات
الإحتلال، فتم ابتزازهم ليقبلوا بالجنسية الإسرائيلية كي لا يفقدوا وظائفهم.
وفي 14\12\1981 ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلي مناحيم بيغن خطاباً أما الكنيست قال
فيه: "لن نجد في بلدنا أو خارجه رجلاً جاداً درس تاريخ أرض إسرائيل، في وسعه أن
يحاول إنكار أن هضبة الجولان كانت على مر أجيال كثيرة جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل.
لقد كان من الواجب إذاً أن يمر خط الحدود الشمالية لأرض إسرائيل، التي دعيت باللغة
الأجنبية باسم فلسطين في تصريح بلفور، وأيضا في الانتداب الدولي، بهضبة الجولان".
تم على إثر ذلك سن قانون، بات يعرف فيما بعد باسم "قانون ضم الجولان"، أعتبر
الجولان بموجبه "أرضاً إسرائيلية تخضع للقانون الإسرائيلي". وقد جاء في البند الأول
منه: "يسري قانون الدولة وقضاؤها وإدارتها علي المنطقة المتعارف عليها بـ منطقة
مرتفعات الجولان اعتباراً من 14/12/1981".
لقد قوبل قرار إسرائيل بضم الجولان بمعارضة دولية كاملة، حتى من قبل الولايات
المتحدة الأمريكية حليف إسرائيل العتيد، ورفضت الأمم المتحدة قرار الكنيست
الإسرائيلي واعتبرته لاغياً وغير شرعي، مؤكدة بأن الجولان أرض سورية.
أما مواطنو الجولان فقد تصدوا لقانون الضم ورفضوا التجنس بالجنسية الإسرائيلية،
برغم الضغوط الهائلة التي مارستها سلطات الاحتلال عليهم، وبالرغم من التنكيل بهم
وترهيبهم ومحاربتهم بلقمة العيش، وأبدوا لحمة وطنية منقطعة النظير في وقوفهم في وجه
المخطط الإسرائيلي وإفشاله على أرض الواقع، فأعلنوا في 14\02\1982 إضراباً مفتوحاً، يعتبر من أطول
الإضرابات في التاريخ، حتى تتراجع إسرائيل عن فرض الجنسية عليهم بالقوة. وبعد ستة
أشهر من الإضراب والحصار، وبعد تبلور ظروف إقليمية وعالمية غير مواتية، أعلن عن
إنهاء الإضراب بعد أن حصل المواطنون على ضمانات بعدم فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم.