كفى...
مسعود الجولاني - 15\03\2010
في العالم التوأم لعالمنا، وفي قرية هادئة هانئة- أشبه ما تكون بقريتنا - مضى ماشيا
رجل أسمر ذو وجه متعدد الملامح يخبئ في تجاعيده قصصا وحكايات، تاريخا وآهات.
وكان ذلك الرجل الوقور يحمل على ظهره الحاني شتلة طرية لشجرة صنوبر مرتقبة، يخطو
بهدوء وسكينة، لدرجة أنني حسبته يسير وحده على الشارع، في حين كان جيش المرافقين
يسيرون بظله، فتخالهم رجلا واحدا، وكان حوارهم أعذب من همس الندى وأرق من حفيف
أوراق الأشجار، وكانت عيونهم تقبل الشتلة وتداعبها وكأنها طفل غاف بين ذراعين
دافئين.
... وفجأة سبقه رجلان جسيمان... بخطوات سريعة خاطفة، وكان كل منهما يفتل الشاربين
ويمددهما كجناحي نسر نوى على طيّ المسافات لينقضّ على فريسته الساهية، وقد تبع كل
منهما رجال عابسون وآخرون حائرون...
غريب أمرهم... ترى ما سر هذا الانتشار المفاجئ؟ ربما الفرحة العارمة و النشاط
والنخوة، أو لعلها رياح باردة راحت تتسلل لهذا القوم، تعبث بهم فتقسمهم وتفرقهم.
تقدم الرجلان أمام حامل الشتلة، وكان التجمع الحاشد على قارعة الطريق عند مفترق
الطرق، حيث توجه أحدهما ومساندوه يمنة واتّجه الآخر ومعاونوه يسرة...
قال الأول: دعونا نغرس الشتلة ها هنا حيث طوفان الخير ونزف الايمان، ولتتمايل
شجرتنا على نغمات التراتيل المباركة، فتزيد من نظارة هذا المكان وتبعث به روحا
متجددة.
وما أن أنهى كلامه حتى بدأ عزف الصلاة وكأنهم غرسوا الشتلة وانتهى الأمر.
وقال الثاني: لن تزرع الشجرة إلا في مكانها الطبيعي- حيث العشب الأخضر الندي يتطاول
ليغازل الأزهار المتفتحة العذراء، نعم لقد حسمنا أمرنا... نغرسها في الحديقة
الجميلة.
فعلا الحداء وأطلقت الزغاريد على إيقاع حلقات الرقص المتمّوجة.
وفي خضم هذه الفوضى العارمة والمعمعة القائمة، رفع حامل الشجرة الأسمر ناظريه
وتكلّم بحسم وكأنه يخبئ الحل ما بين السطور... حيث قال:
على مهلكم يا قوم، ستتفقون على المكان ولا شك، وليتم ذلك لا تحتاجون لأكثر من دقائق
معدودات...
قال هذا وقد بدا الانزعاج على وجوه الجماهير المحتشدة، حيث حسبوه يسخر من جدية
اختلافهم وحدة احتدامهم.
فصاحوا به: وكيف يتحقق ذلك؟
قال وابتسامة مشفقة تظهر على محياه: كل ما تحتاجونه هو أن تجولوا بعض الوقت في غابة
صنوبر- تتأملون أشجارها بإمعان، فتسرق نواظركم الحل وتخطف عقولكم الفكرة، حينها
ستعون حقا أين كانت سقطتكم.