مشاركة المرأة السورية في مقاومة الاحتلال
حامد الحلبي - 18\03\2010
شاركت المرأة في الجولان في جميع مراحل وأشكال النضال الوطني ضد الاحتلال. ومن
أوائل تلك المشاركات، ما قامت به نساء الجولان إثر سماعهن نبأ وفاة القائد العربي
الكبير جمال عبد الناصر في ،1970 فشاركن في مظاهرات الحداد الكبيرة التي جرت في قرى
الجولان المحتل، وامتنعن عن نشر الغسيل حداداً أكثر من شهر بعد الوفاة، ورفعن
الرايات السود فوق البيوت حزناً وحداداً.
ساهمت المرأة في الجولان في حركات المقاومة السرية إلى جانب الرجل، أمثال المناضلة
الدكتورة كاميليا أبو جبل وغيرها، وقد اعتقل العشرات منهن وحُكم عليهن بالسجن،
أمثال المناضلتين آمال محمود وإلهام أبو صالح وغيرهما.. إضافة إلى الاستدعاءات
الدائمة إلى مراكز الشرطة للتحقيق معهن على خلفية القيام بأعمال وطنية. ونذكر أيضاً
إغلاق سلطات الاحتلال لعدد من دور الحضانة التي قامت بتأسيسها نساء الجولان، كما
جرى مع السيدة سهام مفرّج وغيرها.
تشارك النساء في الجولان في المظاهرات الوطنية، ويقمن بتوزيع البصل والحليب على
المتظاهرين لمنع تأثير القنابل الغازية الخانقة. وفي 1 نيسان 1982 خلال المعركة ضد
قرار الضم ومحاولة فرض الهوية الإسرائيلية، هاجمت بعض النساء سيارات الجيش، واشتبكن
مع الجنود، واستطعن قلب سيارة جيب عسكرية. ومن أولئك النسوة السيدتان نعيمة شمس
ونجيّة الصفدي. وبعضهن قمن بتخليص أولادهن من أيدي الجنود وضربن الجنود بالعصي
والحجارة.
وقد جُرح العديد منهن في معركة الهوية هذه، منهن السيدة ناهي سمور التي كان جرحها
بليغاً، إثر إصابتها برشق من رصاص الاحتلال، واعتقل العديد من النساء في تلك
المواجهات. ونذكر بشكل خاص بطولة السيدة بهية الجوهري، التي ضربت الحاكم العسكري
الإسرائيلي بفردة حذائها عندما حاول إهانتها خلال إحدى المواجهات. وقد حفظ أهلنا في
الجولان هذا الموقف لهذه السيدة المناضلة وقدّروه.. وعندما توفيت جرى لها حفل تأبين
وطني كبير.
تعرضت معلمات عديدات من الجولان للفصل من عملهن من المدارس، بسبب مواقفهن الوطنية
وهن كثيرات.. ولكن قمة عطاء المرأة في الجولان هو الاستشهاد، ومثاله الشهيدة البطلة
غالية فرحات، التي استشهدت في يوم 8 آذار ،1987 في قرية بقعاتا خلال مظاهرة وطنية،
فقد أصابتها رصاصة من جنود الاحتلال. والمفارقة أنه هو يوم المرأة العالمي أيضاً،
ومازال أهلنا يحيون ذكراها كل عام بوضع باقات الزهور على ضريحها في احتفال تكريمي
مهيب.
وتقوية للحركة النسائية، أُسس الاتحاد النسائي في الجولان المحتل، وهو يقوم بنشاطات
وطنية واجتماعية هامة.
ومن ضمن التلاحم الكفاحي بين عرب الجولان وفلسطين، تساهم نساء الجولان بقسط وافر
منه، إذ لا تنقطع الوفود التضامنية المتبادلة مع مناطق فلسطين كلها، والاشتراك في
المظاهرات والاعتصامات، وتقديم الدعم الطبي والمادي والغذائي المتبادل. ومن الأمثلة
على ذلك أنه في يوم 2561988 وصل الخبز الذي خبزته نساء الجولان إلى مخيم بلاطة في
نابلس، وسط زغاريد نساء المخيم تحية لهذا التلاحم النضالي، إضافة إلى تبرعهن
بالدماء للجرحى الفلسطينيين الذين أصيبوا في المواجهات مع الاحتلال.
إن شجاعة أهلنا في الجولان وسائر الأراضي العربية المحتلة، تعبّر عنها زغاريد
الأمهات اللواتي يستقبلن أبناءهن الشهداء، تصميماً على الوقوف بقوة في وجه الاحتلال
دفاعاً عن الكرامة والأرض والإنسان.
التمزق الأسري
حفاظاً على الارتباط الأبدي بين أهالي الجولان في القسم المحتل منه، وبين ذويهم في
الوطن الأم، جرت مئات حالات الزواج، بإشراف منظمة الصليب الأحمر الدولي وقوات الأمم
المتحدة. ولا تسمح سلطات الاحتلال للفتيات المتزوجات في الجولان المحتل أن يأتين
ويزرن أهاليهن في الوطن الأم، وهنّ ما زلن يطالبن بذلك، وعبر كل المؤسسات الدولية،
ولكن دون جدوى، بسبب رفض سلطات الاحتلال لذلك.
وحالات الزفاف هذه، تُوثّق عبر المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى. وأول
حالة وثقت هي زفاف الشابة ربيعة منذر إلى ابن عمها في عين قنية بالجولان المحتل..
وقد ساهمتُ بعمل فيلم عن هذا الزفاف بالتعاون مع الأستاذ توفيق حلاق في التلفزيون
العربي السوري، وبُثّ هذا الفيلم عام1990 وترك صدى واسعاً ومؤثراً لدى كل ما شاهده.
هذا القمع الإسرائيلي في المجال العاطفي الإنساني، يشمل أهلنا في الجولان جميعهم،
فهم يضطرون من أجل رؤية ذويهم القادمين من الوطن الأم سورية، إلى الذهاب إلى عمّان
في الأردن، بما في ذلك من عناء وتكلفة، وآخر ما تفتق عنه عقل الاحتلال مؤخراً، أنه
لا يُسمح بالذهاب إلى الأردن إلا بمجموعات لا تقل عن خمسة أشخاص، وهذا بهدف القهر
والسيطرة، والأيسر والأقرب إلى المنطق الإنساني أن يسمح لهم بالذهاب مباشرة من
الجولان إلى دمشق.
إن الاحتلال مهما فعل، فإن روح المقاومة مستمرة عند أهلنا في الجولان، ومنهم النساء.
وإذا كانت منطقة (السّكّرة) و(وادي الدموع) تشهدان تلك الفواجع الإنسانية، فإنهما
أيضاً تشهدان قوة المقاومة البطولية للاحتلال الإسرائيلي وقبله الفرنسي. فقد شهد
هذا الموقع ذاته جانباً من معركة بطولية كبيرة ضد الاحتلال الفرنسي في 712،1925
هُزمت فيها القوات الفرنسية التي كانت تهاجم ثوار الجولان المتجمعين في مجدل شمس
خلال الثورة السورية الكبرى. وهذا يؤكد لنا أن (دوام الحال من المُحال)، ولكن هذا (الحال)
لا يزول من تلقاء نفسه، إذ تلزمه قوة وجهد منظم حتى يزول.. وهذا حديث آخر.
سيجري (وادي المغيسل) بمياه الربيع دائماً، غاسلاً دموع الأسى، وستشرق الأرض
والسماء بفجر الحرية، كما الربيع في إحيائه الأرض والحياة، وهذه أهم معاني الاحتفال
بعيد المرأة العالمي وبعيد الأم في شهر آذار، بداية الربيع، والأم التي هي امرأة،
هي أيضاً الأرض.