الأم نايف ابراهيم - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


الأم
إعداد: المعلم نايف إبراهيم – 20\03\2010

قولي لَنَا أَيا أُمّاهُ صادقةً  
  مِنْ أيِّ جوهرٍ ضنٍّ صاغَكِ اللهُ
سُبحانَ مَنْ ألّفَ الدّنيا ولحّنَها  
  بيتًا مِنَ الشِّعرِ في قَلْبَيْكِ معناهُ

سُبحانَ مَنْ جعلَكِ رسولاً لأشرفِ وأشقِّ رسالةٍ إنسانيّةٍ على الإطلاقِ !تُؤدّينَها بكلِّ أمانةٍ ومسؤوليّةٍ دونَ أنْ ترجينَ أجرًا ، أو تبغينَ جزاءً ، اللّهمَّ إلاّ سعادةَ الأبناءِ ونجاحَهم ! فما عرفَتِ الْبشريّةُ أكثرَ حنانًا وتسامُحًا وتضحيةً مِنَ الأمِّ ! ولا أنزهَ فكرًا وأطهرَ قلبًا ولا أرحبَ صدرًا ولا أعذبَ منهلاً !ولا أقلَّ تذمرًا وتبرُّمًا مِنْها ! فهيَ بحقٍّ أكرمُ مَنْ في الدّنيا ! وأنبلُ بني الْبشرِ .
يقولُ ميخائيل نُعيمة : " كلُّ الْقلوبِ عجيبٌ ورائعٌ وغريبٌ ! ولكنَّ أعجبَها وأروعَها وأغربَها منْ غيرِ شكٍّ قلوبُ الْوالداتِ ! فما إنْ يزحلُ ولدٌ عنْ قلبِ والدةٍ ، حتّى تُصبحَ الْوالدةُ ولها قلبانِ وجسدانِ وحياتانِ ! وتتعدّدُ الْمواليدُ ، فإذا الْوالدةُ ذاتُ قلوبٍ وأجسادٍ وحيواتٍ عدّةٍ ! فكأنّها شجرةُ التّينِ الْهنديِّ الّتي ما إنْ يتدلّى غصنٌ من أغصانِها إلى الأرضِ ، فيلمسُ التّرابَ حتّى يتّخذَ لهُ جذورًا ، وينموَ شجرةً مستقلّةً في الظّاهرِ بساقِها وفروعِها وأغصانِها عنْ ساقِ أمِّها وفروعِها وأغصانِها ! أمّا في الْواقعِ فهيَ متّصلةٌ بها أوثقَ اتّصالٍ " .
إنّ نعيمَ الأمِّ لا يكمنُ بالْمالِ ولا بالْجمالِ ولا بالْجاهِ ، بلْ باحتضانِ طفلِها ، وضمِّ روحِها إلى روحِهِ ، وسكبِ عواطفِها بعواطفِهِ ، والتّضحيةِ في سبيلِهِ ، فترضعُهُ مذوبَ قلبِها ،وتسقيهِ ماءَ حياتِها ، وتُغذّي شبابَهُ منْ شبابِها ! فكلّما ازدادَ الْولدُ قوّةً ، ازدادَتْ أمُّهُ ضعفًا ومتعةً !
يكفي الأمَّ فخرًا وصلاحًا أنْ تختارَها الْعنايةُ الإلهيّةُ آنيةً مقدّسةً لاستقبالِ الْحياةِ ،وحضنًا دافئًا لنموِّها وسموِّها ! فبناءُ الإنسانِ أشرفُ الْمهنِ وأشقُّها على الإطلاقِ ! لأنَّ الإنسانَ منطلقُ الْحياةِ وغايةُ الْحياةِ ! هذهِ الْمهنةُ الشّاقةُ الشّريفةُ أينَ نحنُ منْ قدرِها ورفعِها إلى الْمنزلةِ الّتي تستحقُّ ؟
في عيدِ الأمِّ تُقامُ الْحفلاتُ ،وتُرفعُ الشّعاراتُ ،وتتبارى الْقنواتُ الْفضائيّةُ والإذاعات ويستشعرُ الشّعراءُ ، ويتنافسُ الْفنّانونَ والأدباءُ وذلكَ في مَنْ سَيُضفي على الأمِّ جمالاً ووقارًا وسموًّا.
في عيدِ الأمِّ تزدحمُ الشّوارعُ ، وتكتظُّ الْحوانيتُ بالصّغارِ والْكبارِ ، يتنافسونَ في ابتياعِ أجملِ الْهدايا وأثمنِها احتفاءً بالأمِّ وعيدِها ! والأمُّ في وادٍ آخرَ غائبةٌ بعيدةٌ عنْ كلِّ ذلكَ ، تكدُّ وتكدحُ في ميادينِ الْعملِ ! لتوفّرَ لأبنائِها حياةً حرّةً كريمةً مِنْ بابٍ شريفٍ وكسبٍ حلالٍ!
لقدْ جرَتِ الْعادةُ على تكريمِ الأحياءِ بحضورهِم ، أو بحضورِ أحدِ أفرادِ عائلتِهم ، أمّا أنْ يُكَرَّمُ الإنسانُ الْحيُّ بغيابِهِ فهذا أمرُ غريبٌ ومُستهجَنٌ ! والمْضحكُ المْبكي أنَّ الأمَّ الْعاملةَ كثيرًا ما تضطرُّ بعيدِها للتّوسّلِ لربِّ عملِها ووليِّ نعمتِها ليمنحَها إجازةً تقضيها بينَ أبنائِها لتضفيَ على عيدِها عيدًا وعلى فرحتِهم فرحةً ! أو ليتكرَّمَ عليها ولو مِنْ بابِ الْمجاملةِ أو المْباركةِ بساعةٍ زمنيّةٍ واحدةٍ ليسَ إلاّ! وذلكَ لِئَلاّ تُنغّصَ ابنَها أو ابنتَها بعدمِ حضورِها الْحفلِ التّكريميِّ الّذي سَيُقامُ هُنا أو هُناكَ احتفاءً بالأمَّهاتِ ! والأنكى مِنْ ذلكَ أنَّ الْجوابَ كثيرًا ما يأتي سلبيًّا فظًّا مُخيّبًا للآمالِ ! وبذلكَ نكونُ كمَنْ يُقيمُ حفلَ زفافٍ لعروسٍ وهيَ على رأسِ عملِها ! فيسرقُ منها بسمتَها وفرحتَها ! ويُبدّدُ أحلامَها في أسعدِ يومٍ في حياتِها ! فتأتي بسمتُها مكظومةً وفرحتُها شكليّةً ومزاجُها مُعكّرًا .
ما أكثرَ وما أجملّ الأعيادَ الّتي تنعمُ بما يُغدِقُ عليها أنصارُها مِنْ عطلٍ رسميّةٍ سنويّةٍ ممّا يَجعلُها مُقدّسةً مُباركةً ! وما أقلَّ حظَّ عيدِ الأمِّ الّذي يبدو في كلِّ عامٍ يتيمًا يندبُ حظّهُ !حيثُ لا مُعينَ لهُ ولا نصيرًا ! وذلكَ على الرّغمِ مِنْ أنَّ الأمَّ ليسَتْ أقلَّ شأنًا ولا تمثيلاً ولا تضحيةً مِنْ غيرِها ! أللّهُمَّ إلاّ إذا كانَ الأمرُ لغايةٍ في نفسِ يعقوبَ !
فما أحوجَ الأمَّ لأنْ تُنصفَ فتُمنحَ هديّةً رمزيّةً عيديّةً مَعنويّةً لتكونَ بِعيدِها مَلكةً حرّةً سعيدةً ! لا مَمْلوكةً حزينةً مُكبّلةً بأنظمةِ وقوانينِ المْالِ والأعمالِ ! وهذا أقلُّ الإيمانِ ! وإلاّ ما الْفائدةُ مِنَ التّبجّحِ بالإنسانيّةِ ؟
يقولونَ : "إنَّ الْجنّةَ تحتَ أقدامِ الأمّهاتِ" !ونحنُ نقولُ: إنّ الأمّهاتِ ملائكةُ الْجنّةِ على الأرضِ! فمُخطئٌ وواهمٌ مَنْ يظنُّ أنّ الأمَّ تنتظرُ مُناسبةً لتُهدَى هديّةً ، أو تُعطَى عطيّةً ، فالأمُّ أكبرُ منَ الزّمانِ وأكبرُ مِنَ المْكانِ ! وأكبرُ منَ الْهدايا والْعطايا ! فهيَ جنّةُ الدّنيا وبستانُ الْكونِ ورمزُ الْعطاءِ والسّخاءِ !وفي همساتِها ولمساتِها أعيادٌ متجدّدةٌ!.

مـا الأمُّ في الْحيـاةِ إلاّ جنّةٌ  
  ونحنُ في ربوعِها الأطيارُ
أَشجـارُهــا وارفـةٌ طـيـّبـةٌ  
  قدْ زانَها الإيراقُ والأنوارُ
ظـلالُـهـا ثـمـارُهـا دائـمةٌ  
  الْخيرُ مِنْ كـوثـرِها الْفوّارُ
وُرودُهـا أزهـارُهـا فـوّاحـةٌ  
  الياسمينُ عـطـرُهـا والْغارُ
الْحبُّ والأمانُ في أحضانِها  
  نـعـيـمُـها تحنانُها مِدرارُ
فحسبُكِ يـا أُمُّ خـيـرُ جنّةٍ  
  يحرسُها الْـواحـدُ الْـقـهّارُ

فما أحوجَ الأمَّ إلى كلمةِ حقٍّ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ ثناءً عليها ودعاءً لها أنْ يجزيَها اللهُ خيرًا ، ويحفظَها ويرعاها شجرةً طيّبةً فيئُها دائمٌ وعطاؤُها دائمٌ ! كلمةٍ تسمعُها فتردُ مِنْ قلبِها وذهنِها مَوردَ قطراتِ المْاءِ مِنَ الأرضِ الْعطشى! تسمعُها ولسانُ حالِها يقولُ :

إذا نلْتُ مِنْكَ الْودَّ فالمْالُ هيِّنٌ  
  فكلُّ الّذي فوقَ التّرابِ تُُرابُ

ما أحوجَ الأمَّ إلى كلمةٍ طيّبةٍ منْ قلبٍ طيّبٍ ، تنمُّ عنْ تقديرٍ وعرفانٍ بالْجميلِ ! تسمعُها فتدركُ أنّ عطاءاتها وتضحياتِها لمْ تذهبْ سدىً ، بلْ نمتْ وزكتْ وأزهرت وأثمرت ثمارًا طيّبةً ! وأنّ الْعالمَ مدينٌ لها ، ويقفُ أمامَها وقفةَ الشّاكرينَ بينَ أيدي الْمحسنينَ ! عندَئذٍ تجدُ الأمّ منْ سرورِ النّفسِ وحبورِها بهذا الذكر الجميل ما يجدُهُ الصّالحونَ إذا ذُكروا في الْملأِ الأعلى!
يا أمُّ حسبُكِ فخرًا وجزاءً وشرفًا أنّ الْعالمَ صنعُ يديْكِ!فأنتِ معينُ الْحياةِ والْحنانِ الّذي لا ينضبُ !والْحضنُ الدّافئُ لنموِّها وسموِّها ! وأنتِ السّمطُ الّذي ما انفكَّ يجمعُ بينَ الأهلِ والأحباب مهما نأوا، ويؤلّفُ بينَ قلوبِهم مهما جفوا .

وما الأهلُ والأحبابُ إلاّ لآلئٌ

 
  تُفرّقُها الأيّامُ والسّمطُ يجمعُ