الأرض والإنسان
شعر سليمان سمارة (من ديوان الأرض والإنسان)
يا (مرجُ) خيرك فائضٌ كالغيث ينهمر انهمارا
تعطي مواسمك الحياة رضىً، وتملؤها ازدهارا
ما أكرمَ الأشجارَ مثمرةً وطيّبة ثمارا!
ضمّت ثناياها مغذيَها ومنهلها (صعارا) (1)
يا حسنَ أدواحٍ على الميلين تمتد انشطارا!
يا مرجُ صدرك دافئ الأركان فضفاض أزرارا
تختال في كنف الرياض وأنت تحتضن (المزارا) (2)
جسدٌ وروحٌ في الزمان توحدا أهلاً ودارا
المشهد المخضوضر الريّان يبتسم افترارا
تخطو نسائمه العذاب رخيّة نشوى سكارى
بين الغصون الفارعات توائم الغيد العذارى
يا جار خضراء الربا الفيحاء! ما أغلى الجوارا!
يا ملعباً جمع الأيائل والبلابل والمهارا!
يستقطب الأجيال واعية ويسحرها صغاراً
يا واهب الأجداد والآباء آلاءً كثارا
جمّ الجنى يجد المواطن فيك آمالاً كباراً
أنت الجدير بأن تحبّ وأن تؤمّ وأن تزارا
ما زلت رمزاً للجمال وللندى الهامي شعارا
يستلهم المعطاء إيثاراً عطاياك الغزارا
سبل المكارم والمآثر ما برحت لها منارا
والجود طبع الأريحيّ وليس ثوباً مستعارا
* * *
يا مرجُ ما أحلى مناظرك الموشحة الظرافا!
شوَرٌ من التفاح والرمّان تنتظم اصطفافا
ما أطيب الثمر الشهيّ الغضّ يقتطف اقتطافا!
إني أرى بين اللمى الخلاب والكرز ائتلافا
يا جنّة، يا قبلة الأنظار مشتى واصطيافا
ترنو إليك معاقل الجولان حبّاً وانعطافا
يا جدولاً متدفقاً ملأ المسارب والضفافا!
تروي الظمأ بمائك الرقراق عبّاً واغترافا
يا مرجُ حولك شامخُ الأمجاد يلتف التفافا
ولديك يثوي من أبى، زمن التخوف، أن يخافا
ممن تنكّر للرعيّة واستخفّ بها اعتسافا
وهل المناضل يرتضي عن نصرة الحق انصرافا؟
هو ذا (أبو ذرِّ) أبيّ النفس زهدا واعتكافا
الاشتراكي الذي صان الكرامة والعفافا
مثلُ الطهارة ما ارتدى إلا المطهّرة النظافا
أفكاره تقضي بأن لا أقوياء ولا ضعافا
الشعب كلّ فئاته تتقاسم الرزق انتصافا
لما رأى الإقطاع ينحو في سياسته انحرافا
هجر الخليفة غاضباً يستنكر الحكم الجُزافا
يدعو إلى نهج العدالة حيثُ جال وحيث وافى
وإليك في مشواره أنهت ركائبه المطافا
هو ذا (أبو ذرّ) جنان الخلد تغمره اكتنافا
* * *
يا مرجُ، يا خدن (المزار) ندىً، وتوأمه عطاءَ!
أخوانِ لم يتأبطا إلا المودة والإخاء
أخوان في حضن الطبيعة لا خلاف ولا جفاء
من منكما لا نرتجي منه السماحة والوفاء؟
فلطالما أمّنتما للجسم والروح الغذاءَ
من منكما لا يصطفيه القومُ نهجاً واقتداء؟
الخيّران كلاهما يسمو فعالاً وانتماء
يا مرج عاصرت الجدود الصالحين الأوفياء
أهل البطولة والفداء وزهرة الدنيا سخاء
بيضَ العمائم والقلوب صفت ضمائرهم نقاء
والوْك إخلاصاً لأنك مخلصٌ لهم الولاء
هم يغرسون الخير فيك ليجتنوا منك الرخاء
وحفظت للآباء ميراثاً يعززهم إباء
الذادة المتبصرون الأمر قارب أن تناءى
والقاحمون ضراوة الهيجاء عزماً وانتخاء
هزموا العدوّ وحققوا النصر المؤزّر والجلاء
ورأيت في الأبناء ما يعلو بناءً وارتقاء
الباذلون المال والأرواح للوطن افتداء
والأرض يرسخ عزّها إن أحسن الشعبُ البلاء
يا مرجُ عهداً، والمزارِ، وحلفةً ملأى دعاء
لا نبتغي إلا الحياة معاً هناءً أو شقاء
الأرض والإنسان رابطة موحدة بقاء
_____________________
1 - صعار: الجدول الذي يروي بساتين مجدل شمس
2 - المزار: مقام أبي ذرالغفاري في مرج (اليعفوري)