بـيـن الـنور والعـتـمه..
شمس الغروب - 04\04\2010
تتجلى غياهب الأحزان على روحي، فتطرد سلسلة الفرح من قلبي، فتعود الدموع إلى موطنها
سالمة، فتسكن بين الجفون والمقل، تداعب دموعي تلك الجروح فتختطف مني كل لحظات
السعادة، تتوارى بسمتي فتعلو إلى الهواء لتختفي، فتصنع من ذاتها بخار يتصاعد إلى
سماء حياتي.
تقف نفسي حزينة أمام الغسق، تنظر الغروب كأنه يحكي لها قصص الأيام وحكايات السنين
وأسرار الأفق: ها قد مضى يوم آخر. مضى وأصبح مع أبناء الذكرى. تلك الذكريات التي
بدأت تخيط أثواب الماضي لتجعلني أرتدي أثواب الحاضر والمستقبل.
إهدأي أيتها الذكريات وكفاك أحزان. حاولي أن تخرجيني من دنيا الحرمان. أدخليني في
عالم السعادة، بعيدا عن الخوف والظلمة والقسوة والحرمان.
أتى نور يشع من الغروب، فتجلت أمامي ملكة الذكريات فغطت على بصري وقالت لي:
افتحي عينيك أيتها الحزينة. امسحي دمعتك أيتها الكئيبة. انفضي غباري عن زمانك
ولملمي عقارب ساعة أيامك، فستحملك السنين يوما إلى الفرح. حاولي نسياني وحلقي
كعصفور في السماء، وتأملي في المستقبل لعلك تصلين يوما إلى عالم النور والسعادة.
فاختفت ملكة الذكريات. واختفت معها الشمس. وتبدلت أشعتها الصفراء بليلة ظلماء. فأتى
الليل وبدأ يحكي لي حكايا الزمن. أتى بقمرة ذاك الذي بات يسامرني ويسلي وحدتي. جاء
مع تلك الثريات لينير سمائي ويشع كما اللؤلؤة في عتمة مسائي. اتحد بي أيها الليل
وتمايل مع ستائر غرفتي، وجدد بي أملا للمستقبل. أفرح فؤادي الصغير وادخل إلى روحي
فرحة الحياة.
سكن ملك الليل وغار علي وصار يكلمني فحدثني قائلا:
لا تحزني أيتها الطيبة. لا تبك أيتها الحنونة. لا تخافي أيتها الجميلة. امح الظلمة
من قلبك. ستأخذك الأيام يوما إليها، لتمحو منك كل الكآبة وتحفر في قلبك التفاؤل
والأمل. ابتسمي أيتها الحائرة فشفتيك لا تستحق الصمت. تكلمي فصوتك لا يستحق
الغموض.هيا أغمضي عينيك فسأحملك إلى دنيا الفرح.
أغمضت عيني وإذ بي في مكان مضيء مليء بالورود والأشجار والألوان، وعصافير تغرد
وتبني أعشاشها على الأغصان، وأنهار تسير فتصب مياهها في بحر الدفئ والحنان. فنظرت
من حولي ورأيت الحب يملأ العالم بإخلاصه وصدقه ووفائه. ورأيت الخير يرعى الأرواح
بجماله ونوره وصفائه. ورأيت العقل ينشر الحكمة والعدل في كل أرجائه.
وإذ بملكة السعادة تعانقني لتقول لي:
أهلا بك في دار الحياة. فألبستني ثوبا أبيض يتحلى بالماس، فأبهر منظره قلبي فصرت
أدور حولي نفسي، ورياح الحنان تداعب روحي، وعواصف الشوق تأخذني إلى قصور النور.
وإذ بسيدة النور تتقدم نحوي وتقول لي:
اضحكي أيتها الفتاة الوحيدة. حلقي في سماء المحبة وتحولي إلى قصيدة. قصيدة ابتسامة
تزيّن كل العالم.
فبدأ ملك الليل يغني، وابنته العتمة تأتي بموسيقى هادئة تريح أعماق روحي.
اختفى ذاك الليل.. اختفى من أمامي لأفتح عيني فأجد الشمس قد عادت تتحلى بمنظر الشفق..
فها هي تأتي بيوم آخر.. ونور جديد... فعانقتني نفسي وهنأت بي ضوء قلبي وأمل مستقبلي.
فخطت على فجرها ابتسامة ودمعة..
ونشرت مع سحرها آمال وذكرى..
ولونت مع نورها دموع وفرحة..
وعانقت الأيام مع شروقها وغروبها..
وحملت مع نارها حنين وقسوة..
وغمرت الأعوام بخيانة ومحبة..
وحكت لسمائها أسرار من ليلها ونهارها..
فأعلنت للعالم بقدوم يوم آخر وها أنا انتظر شمس الغروب..
لأحفر عليها حكايات وقصص بين النور والعتمة.
