افتتاح معرض الفنان السوري الراحل برهان كركوتلي في مركز فاتح المدرس
مجدل شمس\الجولان - جولاني - 09\04\2010
افتتح مساء اليوم الجمعة في مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة معرض للفنان السوري
الراحل برهان كركوتلي، ويستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
يقام المعرض بالتعاون مع "متحف المقتنيات الأثرية والفنية" في جامعة بير زيت والذي
قدم لوحات كركوتلي للمرة الأولى في فلسطين في معرض أسماه "قصة الحب والثورة" (تنظيم
عامر الشوملي).
لهذه اللوحات قصّة غريبة تشبه حياة هذا الفنّان الذي مات في ألمانيا، بعيداًَ عن
أرضه بعد عقود من التيه. الأعمال المعروضة من مجموعة أهداها كركوتلي إلى صديقه
الفنان الألماني يورغ لانج، وكان من مناصري الثورة الفلسطينيّة. ترك الأخير بيروت
خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وبادر بعض أصدقائه إلى إنقاذ الأعمال الفنية من
بيته، فحُفظت في عمّان قبل أن تنتقل إلى رام الله عام 1994.
في المقال التالي المنشور في العدد أربعين من مجلة نزوى لـ"بطرس المعري" وهو كاتب
سوري، تعريف جميل ومؤثر بالفنان برهان كركوتلي.
"رحل عن عالمنا الفنان السوري الكبير برهان كركوتلي، رحل بصمت كما عاش السنوات
الخمس عشرة الأخيرة من حياته بصمت، رحل فنان المنمنمات الشعبية، فنان القضايا
السياسية، الفنان الذي استطاع منذ نهاية الخمسينيات إلى آخر قطعة نقشتها ريشته
المغموسة بالحبر الأسود أن يكون أمينا لقناعاته العميقة في ضرورة ابتكار فن حديث
يخاطب المجتمع ويتفاعل معه دون أن يتنازل عن القيمة الفنية العالية، فن يخاطب هموم
الناس الاجتماعية والسياسية دون أن يتخلى عن شاعريته ومتانته الغرافيكية.
تنقل برهان كركوتلي بين دمشق والقاهرة ومدريد والرباط وبرلين ومكسيكو وفرانكفورت
غير أن وجدانه صاغته الحارة الشامية وفكره طبعه الانشداد الدائم للهم الفلسطيني.
يعتبر كركوتلي أحد أهم الفنانين العرب الذين استلهمت أعمالهم الفنون الشعبية التي
عرفها في بلده الأم، ولا يمكن التكلم عن لوحة محلية سورية دون التكلم عن أعماله
كتجربة رائدة في هذا الميدان، فلقد استطاع بذلك الأفق الواسع الذي امتلكه أن يتعامل
مع روح الفن الشعبي دون الوقوع في مطب اجترار الموتيفات الشعبية بأسلوب مستهلك.
اللوحة التي سماها "مواويل" ذات النزعة الزخرفية الواضحة، رغم بساطة مظهرها غير
أنها في حقيقة الأمر تكتنز حسا مدهشا، وحرفة غرافيكية متينة "وموهبة".. رفيعة.
انتشار أعمال كركوتلي المطبوعة يأتي أيضا من تلك الأعمال السياسية، ذات الطابع "التحريضي"
كما يسميها هو، ولقد بدأ برهان بالعمل الفني - السياسي في المغرب عندما ناصر قضايا
العمال وثوار الجزائر، ثم تبلورت هذه التجربة في ألمانيا عندما راح يرسم لفلسطين
لوحات وملصقات دخلت ذاكرة التجربة التشكيلية الفلسطينية بمفرداتها وصياغاتها، وتأتي
رحلته إلى المكسيك في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي لتكمل دائرة أسفاره
الجمالية والسياسية، ولتزاوج إلى حد كبير بين لوحته الشعبية ولوحته السياسية.
صدر في بداية الثمانينيات كتاب ضخم في ألمانيا عن كركوتلي، استعرض الكثير من أعماله
وموضوعاتها المتنوعة، من رسومه عن نزلاء مشفى الأمراض العقلية إلى بورتريهاته
الدقيقة إلى لوحاته المشهورة المكرسة لفلسطين.
في أعماله كلها المشغولة بالأبيض والأسود لا يغيب الخط الأسود الثخين المحيط
بالأشكال ولا وجوهه الصارمة ولا تنويعات ملامسه الغرافيكية، ولا ولعه بشغل كل
المساحة اقتداء بالمنمنمات العربية - الاسلامية، كل ذلك موضوع في سياق شحنة تعبيرية
عالية ورسالة لا تخطئها العين: وجوه بلدية وديعة، ووجوه يعلوها الغضب والتحدي،
سلاسل وسجون وأسلاك شائكة، عساكر ممسوخة الملامح، أطفال يحلمون بعصفور أو وطن..
برهان كركوتلي الحالم السياسي رسم حياتنا، إحباطاتنا، آمالنا، وأحلامنا المكسورة..
رسم كل ذلك بوداعة الأطفال ووعي المحترفين السياسيين، وموهبة كبار الغرافيكيين،
فصنع لنا أيقونات أخاذة لا تمحى من الذاكرة.
في الأسطر اللاحقة سجل لحياة وفن برهان كركوتلي مستمدة من تسجيلات خاصة معه، ومن
سجل لحياته سطرها هو في سنوات الثمانينيات.