اللغة العربية، تاريخها، مضمونها، عثراتها. - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

الفعالية الأولى في دار اللغة العربية،
بعنوان:
اللغة العربية، تاريخها، مضمونها، عثراتها.

يوم السبت: بتاريخ 10/4/2010 الساعة السابعة مساءً

اللغة العربية
إنّها البحرُ الذي يختزنُ في أعماقهِ الدرر.
إنّها الأصدافُ التي تحتضنُ الجواهر والماس.
إنّها عمقُ التاريخ الذي يخبئُ الزمرُّد والياقوت.
إنّها الحصنُ الذي يبني جيلاً بعد جيل.
إنّها مجدُ الأجدادِ ونورُ الأجيال.
إنّها الركنُ الأساسي في تشكيل جسمِ الأمّة.
إنّها أساسُ التفاهم والحوار، أساسُ النشوء والارتقاء الذاتي والاجتماعي،
أساسٌ في تشكيل وبناء شخصية الفرد والمجتمع.
إنّها اللغةُ التي بنقوشها ورموزها، عندما حُفرت على الصخور والجدران والألواح، ومنْ
بعدها الأوراق والمجلدات، هي التي حافظت على تاريخ الأمم والإنسانية جمعاء.
إنّها الشمسُ التي تبعثُ خيوطها الذهبية فتشعّ بعظمة الماضي، ودفءِ الحاضر، ونور الأيام القادمةِ.
إنّها اللغةُ التي انبثقت منذ آلاف السنين في أوغاريت.. ومن ثم في جُبيل .. لتخلّد الإبداع
الفكري والحضاري للإنسان الذي يطمحُ للتطوّر، فعندما نقرأ سيرة جلجامش بطل أوروك العظيم، والتي خُطَّت سطورها على ألواح من الآجرّ، لتبقى ملحمةً حيَّةً لآلاف السنين.

تعتبر ملحمة جلجامش أول عمل أدبي في التاريخ تجاوز بيئته لينتشر في معظم أنحاء العالم المتحضِّر في زمنه، ويُترجم إلى أكثر من لغة مشرقية قديمة، ليتجاوز فترته التاريخية، ويستمرَ قرابة الألفي سنة حياً في العالم القديم.
وها هو اليوم يُبعث إلى الحياة بروح جديدة في ثقافتنا الحاضرة. فهذه الملحمة هي عمل إنساني إبداعي تجاوز حدود المكان والزمان، وبقي يَبثُّ في نفوس وعقول من يقرأه أو يسمعه أو يشاهده على خشبة المسرح أسس وجذور الفكر الفلسفي الديني والإنساني.
جلجامش هذا الملك الجبَّار الذي عاند القدر المحتوم للبشر، وحاول أن يحصل على الخلود، والحياة الأبدية، مثله مثل الآلهة. تحدّى الوحوش، والمسافات، قطع الوديان والجبال، ليمتلك نبتة الحياة، ولكن بعد عراك ومشوار طويل مع الصعاب، عاد ليتأكّد أن الموت هو مصير بني الإنسان ، والخلود هو من نصيب الآلهة.
نصوص كثيرة ممتعة وُجدت في هذه الملحمة تؤكِّد على ذلك، وهذا مقطع قصير منها. يقول:
إلى أين تمضي يا جلجامش؟
الحياة التي تبحث عنها لن تجدها!!
فالآلهة عندما خَلقتِ البشر
جعلت الموت لهم نصيباً
وحبست في أيديها الحياة.
أمّا أنتَ يا جلجامش فاملأ بطنكَ
واخرج ليلك ونهارك
اجعل من كلِّ يومٍ عيداً
وارقص لاهياً في الليل وفي النهار
أخطر بثيابٍ نظيفة زاهيةٍ
دلِّل صغيرك الذي يمسك بيدك
واسعد زوجك بين أحضانك
هذا نصيب البشر في هذه الحياة.

ويزخر التاريخ بالأخبار عن الممالك التي نشأت وازدهرت على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وما كانت عليه من منعة وقوة، ابتداء من بلاد ما بين النهرين، وحضارة بابل، ولم تكن قوانين حمورابي مكتوبة وباقية حتى اليوم لولا التقدم بالخط والكتابة، ومن ثمّ أوغاريت ورأس شمرا وجبيل وصيدا وصور، وبلاد كنعان ،وازدادت هذه الممالك، خاصة بعد اكتشاف الفينيقيين لنجمة القطب الشمالي، فعرفوا الاتجاهات واستطاعوا تحديد الطرق البحرية والمسالك التي اتبعتها قواربهم المصنوعة من أخشاب غابات الأرز وسفوح حرمون، ليصلوا إلى ما وراء أعمدة هرقل المسماة اليوم جبل طارق، ويصطدموا ببحر الظلمات الاسم الذي أطلقوه على المحيط الأطلسي، مؤسسين على شواطئ المتوسط مدناً أصبحت فيما بعد ممالك شهيرة، مثل أرواد وقبرص وقرطاجنّة وصقلية.
وتقول الأسطورة أنّه منذ أن دخل قدموس الصوري وهو ابن ملك صور (أغنور) ليفتش عن أخته التي خطفها الإله اليوناني الإغريقي (زيوس )وكان اسمها (عُربا) وتزوجها وأنجبت له ولداً هو الملك الكريتي المشهور (مينوس) وقد أُطلق فيما بعد اسم هذه الفتاة على قارة أوروبا كلِّها. ولا شك بأن أعظم نعمة أسبغها الفينيقيون على الحضارة الإنسانية هي اكتشاف الحرف، فالفينيقيون هم أول شعب استعمل حروفاً هجائية صرفة في الكتابة. فقد ابتكروا هذه الكتابة عام 1100 ق.م وتألفت من 22 حرفا˝ يمثل كل واحد منها صوتاً معيناً. سميت أيضا˝ بأبجدية جبيل. يقول المؤرخ اليوناني هيرودوت : "إن الفينيقيين علّموا اليونانيين كتابة الحروف الأبجدية التي لم يكن يعرفُ عنها شيئاً" وبعد ذلك انتقلت هذه الحروف بعد تعديلها إلى الرومان .‏
وانتشرت في بلاد الشرق الأوسط وفي أوروبا وشمال إفريقيا، وفي جميع جزر البحر المتوسط، وتنوعت اللهجات حتى أصبحت لغات متقاربة في اللفظ، حيث انتظمت في ثلاث مجموعات أساسية، الهيروغليفية، والسامية، والهندوأوروبية، بعد أن امتزجت هذه اللغات بامتزاج شعوبها، وكل لغة منها كانت تعمل على تطوير أحرفها وألفاظها، وكثرت النصوص المكتوبة بشتى الأنواع اللغوية، من القصة، إلى الأدب، والشعر، ووجدت هذه الكتابات في القرون الماضية لتشكل أساساً لاستنباط التاريخ والجغرافيا والأدب القديم. ومن هذا الأدب القديم مجموعة الأساطير والقصص الدينية، مثل قصص: تموز أو أدونيس وعشتروت، وإيزيس وأوزيريس، وزيوس وأوروبا ثمّ فيما بعد آلهة أوروبا: أبولون وأثينا ثم أفروديت وفينوس وغيرهم الكثير. وقد أشار الشاعر الكبير ملتون في ملحمته الرائعة والمرتكزة على عبادة أدونيس عند وصفه الآلهة الكنعانية وهي تمرّ في استعراض أمام الشيطان: فيقول:
"... ثمَّ جاء بعدهم تموز.
تموز الذي جُرحَ في أعالي لبنان.
فراحت الفتيات الجميلات ينظمن فيه أشعار الحب.
ويغنينها في يوم قائظ ألحاناً شجيّةً.
وتلطخت مياه النهر بدم أدونيس.
فراحت مياه النهر الأرجوانية تتدحرج من أعالي الصخرة مسرعة إلى البحر."
ونستطيع أن نرصد الكثير من الكلمات التي رسخت وظلت هي نفسها أو تحوَّلت قليلاً في جميع هذه اللغات، منها:
- المئات من الكلمات المشتركة بين اللغات السامية، العربية والعبرية والسريانية والآرامية.
- العديد من الكلمات التي بقيت مشتركة مع اللغات الأوروبية. مثال: Anemone وتعني (شقائق النعمان) ومعناها (جروح أدونيس) وقد دخلت هذه اللفظة إلى الانجليزية عن طريق الاغريقية ومن قبل من السريانية.
وكانت بلاد الإغريق (اليونان) التي حفلت بالازدهار والعظمة، وذلك بعد انتصارات الاسكندر المقدوني العظيم، وبروز المدارس الفلسفية الكبرى، من المدرسة الرواقية وصاحبها زينون القبرصي، إلى الأبيقورية وصاحبها زينون الصيداوي، إلى المشّائية وصاحبها ديودوروس الصوري، ومن ثمّ حكماء وفلاسفة اليونان الكبار (سقراط وأفلاطون وأرسطو).
في ظل هذه العظمة والازدهار النابع من الشرق الأوسط، نبعت الأديان السماوية المنادية بالتوحيد الإلهي، وظهر موسى برسالته، ووضع تشريعاته، وأخرج شعبه من مصر بحكمة ورويَّة. ثم السيد المسيح عليه السلام، (المخلص) وأناجيله الأربعة ورسائله، حيث خرج من أرض كنعان، ثم أكمل الرسالات السماوية النبي محمد، برسالة الإسلام التي انطلقت لتنتشر في أقطار الأرض، حاملة معها طباع وتقاليد الجزيرة العربية التي تكتسب حكمتها وصبرها من الصحراء الممتدة والهادئة في مساحات شاسعة.
كل هذه العبقرية والحكمة والتنظيم الذي بنيت عليه الرسالات السماوية كانت مستمدة من أفكار عظماء الشرق، والإبداع الفلسفي والأدبي والشعري الذي نشأ على شواطئ هذا البحر العظيم ، الأبيض المتوسط.

1- أريد أنْ أسألك أيُّها المستمع الكريم!!
هل تجولت ساعات بين الأوابد القديمة في أحد المتاحف حتى كلَّت قدماك، وأنت تتحرك ببطئ بين العاديات، تنظر إلى هذا النحت وتتأمل ذاك الرسم، ثمّ خرجت فسُئلت عمّا رأيت فلم تستحضر في ذهنك سوى عمل واحد أو اثنين تحدثت عنهما بحماس ونسيت ما تبقّى؟؟ هل خطر لك أن تترنَّم بشيء من الشعر القديم لتكتشف أنَّ ذاكرتك لم تقبض إلا على قصائد قليلة وأهملت ما عداها، وأنَّ لسانك يجري ببعض الأبيات تتغنّى بها بين آن وآخر دون غيرها؟؟
هل تساءلتَ لماذا الموناليزا درّة متاحف أوروبا، وربَّة الينبوع درّة متاحف الشرق؟
أعمال عاشت مع الإنسان وستبقى دوماً، وأخرى ماتت آن الولادة. لماذا؟
ما إن يُذكر أمامك العصر الجاهلي الذي سبق الإسلام، حتى تظهر أمامك صورة المعلقات الشعرية وأبطالها، وكيف يتغنّى بها العرب حتى يومنا هذا. وقد حظيت بالاهتمام من جميع طبقات الشعب، فكان الأعرابيُ يسافر مسافات طويلة في كل سنة، ويقطع الأميال الطويلة حتى يصل إلى سوق عكاظ أو المربد أو غيره من الأسواق الأدبية، لكي يسمع أنواع الشعر التي تُلقى هناك، ويجرون النقاشات والحوارات حول ما أُلقي خلال الأيام المتعارف عليها، لاختيار القصيدة الأفضل، فتنتشر القصيدة في أصقاع الجزيرة العربية حفظاً في الأذهان، لأن الكتابة كانت نادرة في ذلك الوقت. ولا زالت حتى اليوم أسماء شعراء تلك الفترة حاضرة بيننا، مثل: امرؤ القيس، والنابغة، وزهير، وطرفة وغيرهم.
وبعد مجيء الإسلام وانتشاره في أنحاء الجزيرة وما وراءها، كانت اللغة العربية هي العامل الرئيسي في نشأة الحضارة العربية، ولا شك أن الإسلام اعتمد على اللغة، ونزل القرآن فيها، وهو معجزة اللغة، فحفظها وحفظته، وكان وحده ذروة العلوم والمعارف، به يبدأ التعليم وعنده ينتهي، وبانتشار الإسلام في المناطق المجاورة للجزيرة العربية، ازداد انتشار اللغة العربية،
وإذا قيل أنَّ تاريخ الكتابة واللغة العربية لم يكن إلا تاريخ الحضارة العربية فهذا أمر مقبول. وأول خط عربي هو ما عرف بالخط الكوفي نسبة إلى مدينة الكوفة، وكان خالياً من حروف العلة، ولكن فيما بعد أدخلت عليه الحركات والشكل وذلك في العصر الأموي. ثم ابتكر الخط النسخي، وأصبح هو المعتمد في الدواوين الحكومية، ثم بعد ذلك ابتكرت أنواع خطوط أخرى، مثل: الثُلث والرقعة، وازداد عدد الكتّاب والمؤلفين وانتشرت المكتبات في المدن وكانت تسمّى (دور الوراقين)، واعتبرت هذه المكتبات مفخرة من مفاخر الحضارة العربية، وأول مكتبة رسمية ظهرت في العالم الإسلامي هي التي ألحقت ببيت الحكمة في بغداد والتي أنشأها الرشيد أو المأمون. ويذكر اليعقوبي أن بغداد كان فيها أكثر من مائة دار للوراقين، وهذه الدور كانت مجالس للأدب ومراكز للنسخ والكتابة.
وأسست المكتبات أيضاً في كثير من المدن، مثل مكتبة الموصل، ومكتبة المدرسة النظامية في بغداد، ومكتبة النجف وكانت تحوي 40 ألف مجلداً. ومكتبة أبي الفدا في حماه 70 ألف كتاب، ومكتبة المؤيد الرسولي في اليمن 100 ألف كتاب، ومكتبة مُراغة 400 ألف كتاب، ومكتبة الريّ أيضاً وكان فهرست كتبها يقع في عشرة مجلدات كبيرة، واشتهرت مكتبات قرطبة في الأندلس، وفي اشبيلية أيضاً. أما أكبر المكتبات على الإطلاق، كانت مكتبة العزيز بالله الفاطمي في القاهرة، إذ حوت مليوناً وستماية ألف مجلد مفهرسة ومرتبة ترتيباً موضوعياً بشكل أقسام، كقسم الرياضة ، والفلسفة وغير ذلك.
هناك ارتباط قوي جداً بين ازدهار الدولة واتساع أراضيها، وقوة جيشها، وبين ازدهار اللغة والأدب والفلسفة، فبلاط الملوك والأمراء والخلفاء الكبار كان يتحوّل إلى منتدى ثقافي أدبي، والعكس صحيح، عندما تتفكك الدولة إلى دويلات صغيرة متناحرة، ينحط الأدب، وتضمحل الفلسفة. (أين نحن الآن من ذلك الزمن).
ففي العصر العباسي بعد أن شجَّع الخلفاء والوزراء الدواوين والشعر والأدب اتسع نطاقها ووجدت أعمال إبداعية كبيرة، ولا زلنا ندرس وندرِّس أشعار وآداب تلك الفترة بعظمائها من أمثال: المتنبي وأبي العلاء والجاحظ وأبي فراس وابن الرومي وغيرهم كثر، وما إن كبس التخلف العثماني على الوطن بثقله، حتى جفّت العقول، ونضبت القرائح.
وفي العصر الحديث وبعد التواصل الذي حدث مع أوروبا، وهجرة الكثير من الشباب إلى بلاد المهجر، وبقائهم على اتصال مع الوطن، عادت الأمور إلى نصابها، وبدأ التجديد والإبداع من جديد. فبرز شعراء وأدباء وفلاسفة مثل: أعضاء الرابطة القلميّة، وعصبة العشرة ، والمهاجرون إلى أوروبا والدول العربية مثل: خليل مطران، وجرجي زيدان والأخوين تقلا، وشعراء وأدباء محليون كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ومارون عبود وغيرهم.
2- يقول شوقي في اللغة:
لا تلمني في هواها ليس يرضيني سواها
لست وحدي أفتديها كلُّنا اليومَ فداها
ما أجمل الضادَ تبياناً، وأعذبَها جرساً، وأفسحَها للعلم ميداناً.
ثوبوا إلى الضاد واجنوا من أزاهرها واستروحوا صوراً منها وألوانا
ولا بدَّ من امتداح خصائص العربية، وتعداد أوجه تميزها من غزارة في المفردات وفصاحة في التعبير ومرونة في الاشتقاق، واتساع في المدرج الصوتي وتفردٍ بحرف الضاد، واحتمال أن تكون هي أمّ اللغات ومصدرها الأصلي. وبالطبع هناك دائماً التمثل بقصيدة حافظ إبراهيم الجميلة فعلاً:

رجعتُ لنفسي فاتهمتُ حصاتي  
  وناديتُ قومي فاحتسبتُ حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني  
  عقمت فلم أجزعْ لقول عِداتي
وسعتُ كتاب الله لفظاً وغاية  
  وما ضقت عن آيٍ به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة  
  وتنسيق أسماءٍ لمخترعات
أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ  
  فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني  
  ومنكم، وإن عز الدواء، أُساتي

 ولزكي الأرسوزي نظرة فلسفية خاصة إلى اللغة العربية , كما أنّه صاحب نظرية مهمة في نشأتها و تطورها.
تعتمد هذه النظرية - كما خلص الدكتور خليل أحمد خليل الذي بحث أراء هذا المفكر و المناضل العظيم - على جدلين:
الجدل الأول: أن المعنى يتجلى في الحياة، وأن الحياة تتجلى في الأمة، وأن الأمة تتجلى في العبقرية، وأن العبقرية العربية تتجلى في لسانها.‏
الجدل الثاني: أن دراسة اللغة العربية أو اللسان العربي، تبعث عبقرية الأمة، وأن بعث الأمة يبعث الحياة، وأن بعث الحياة ارتقاء إلى المعنى، والمعنى هو القادر على كل شيء.‏
ونستشهد بقول المؤرخ العربي جمال الدين الأفغاني حيث يقول في ضرورة الحفاظ على اللغة:
- لا جامعة لقوم لا لسان لهم
- ولا لسان لقوم لا آداب لهم
- ولا عزَّةَ لقوم لا تاريخ لهم
- ولا تاريخ لقوم إذا لم تقم منهم أساطينُ تحمي وتحيي آثار رجالها وتاريخها، فتعمل عملهم، وتنسجُ على منوالهم.
وأختم بقول جبران خليل جبران:
- وعظتني نفسي فعلَّمتني ألا أقيسَ الزمن بقولي: كان بالأمس وسيكون غداً. وقبل أن تعظني نفسي كنتُ أتوهَّم الماضي عهداً لا يُردُّ، والآتي عصراً لن أصلّ إليه. أمَّا الآن فقد عرفتُ أنَّ في الهنيهة الحاضرة كلَّ الزمن بكلِّ ما في الزمن مما يرجى ويُنجز ويتحقق.
- وعظتني نفسي فعلَّمتني ألا أحِدَّ المكانَ بقولي: هنا وهناك وهنالك. وقبل أن تعظني نفسي كنت إذا ما صرت في موضع في الأرض ظننتني بعيداً عن كل موضع آخر. أما الآن فقد علمت أن مكاناً أحلُّ فيه هو كل مكان. وأنَّ فسحةً أشغلها هي كلّ المسافات.

3- وأخيراً: لا بد أن نتساءل، ما هي المعيقات والعثرات التي واجهتها اللغة العربية، وأدّت إلى هذا التراجع الحاصل فيها الآن؟؟ هل هي:
- أزمة الحرية في الوطن العربي وسيطرة الحكام.
- قلة الإبداع وانتشار السطحية بالتفكير.
- أزمة النشر، وغلاء المطابع وصعوبة التوزيع.
- قلة المطالعة وعدم الاهتمام بشراء الكتاب.
إخواني أخواتي وأبنائي الأعزاء، أردت من خلال هذا السرد التاريخي، والتوقف عند بعض الخصائص التي تميز اللغة العربية، أن أطرح أسئلة للنقاش والحوار، فنغني بعضنا البعض بأفكارنا وبما يدور في نفوسنا، فالكل حريص على اللغة العربية ويهمّه ازدهارَها، ويَقلقُ لتراجعها، فما هي يا ترى عوامل قوتها وأسباب ضعفها؟ وأين تألقت وانتعشت، وأين اضمحلَّت وخفتَ نورها؟ وما هي أسباب ضعفها في أيامنا هذه؟ فاللغة هي مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة، فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر وفي التقهقر الموت والاندثار، فعوامل القوة فيها موجودة، يكفي أن ينطق بها أكثر من 400 مليون إنسان،
فأين هي الآن؟ وما مستقبلها؟؟