لماذا يُديرونَ لَكُمْ ظُهورهم؟
وهيب أيوب - 16\04\2010
"أنا قلقٌ دائماً، مقلقٌ دائماً، ساخطٌ دائماً، مثيرٌ للسخطِ مِن حولي" |
طه حسين |
لو تُصغون لأولادِكم!...
من يمعن النظر إلى صور الحضور في اجتماعات ما يُسمى بـ"الفعاليات الوطنية" في "بيت
الشام"- وعليك أن تسأل ماذا تفعل تلك الفعاليات؟- سيلاحظ الآتي:
من خلال تفحّص وجوه الحضور الكرام، ليس في هذا الاجتماع فحسب بل في كل ما شابهه من
تجمعات، فإنك ودون عناء ستكتشف أن لا وجود للأجيال الشابة فيها على الإطلاق، لا
شباباً ولا شابات.. الملاحظة الأخرى هي الغياب المطلق لعنصر النساء!
ربما لا وجود لنساءٍ وطنيات في الجولان؟!
وربما ستلاحظ معي أيضاً أنك لن تَجِد شاباً واحداً من أبناء السادة الحضور، هؤلاء
الذين يُفترض أنهم أنشأوا أولادهم على الفعل الوطني، فلماذا يتخلّف الأبناء عن
اجتماع "الفعاليات"؟ فعلاً أمر يَدعو للتساؤل!
لكن لا بأس.. سيحضرون للترفيه في حفلات الرقص والغناء.
هل سأل هؤلاء أنفسهم ولو لمرة واحدة، لماذا الأبناء من الأجيال الشابة إضافة لمعظَمِ
الناس، قد أداروا لهُمْ ظهورَهُم؟
هل راود أحدكم السؤال: كيف تُفكّر هذه الأجيال؟ كيف ينظرون إلى ماضي آبائهم وحتى
أجدادهم؟ وما نظرتهم للحاضر الذي نعيشه، أو المستقبل المُنتظر؟ هل نُبالي لمُجرّد
أن نعرف رأيهم؟…. لا أظنّ
ما أظنّه، أن الغالبية العُظمى- حتى لا نقع في التعميم- لا تنظرُ إلاّ للمصالح
والفوائد الشخصية.
يُصرّ البعض في الجولان على أن التربية والتنشِئة على حُبّ الوطن والانتماء، يكمُنُ
في المزيد من الاجتماعات والاحتفالات ومنابر الخطابة والزَّعيق في عين التينة،
وتكرار المكرور من الكلمات والخطابات الممجوجة المُصطنعة المُستنسَخة من كِلا
الشطرين عاماً بعد عام ومناسبة إثر مناسبة. كل هذا عبر السنوات الفائتة جعل أكثر
الناس، وخاصة فئة الشباب والشابات منهم، يُقابلون كل ذلك باشمئزاز وازدراء واستهجان!
بعض من يُسمون أنفسهم "القوى أو الفعاليات الوطنية" يأبى الخروج من قوقعته ومفاهيمه
القديمة التي أكل الزمن عليها وشرب، وباتت لا تُقنع الطفل الصغير، تلك المفاهيم
والقيم، التي باتت لا تؤدي أي نفعٍ أو خدمةٍ، لا للمجتمع ولا للوطنية ولا للوطن. لا
بل أنها تفعل فعلاً عكسياً تماماً.
إن أي مجتمع يعجز كِباره عن إبداع مفاهيم وأساليب جديدة، من خلال فهمه المواكب
للمتغيرات الحاصلة من حوله؛ في المجتمع وفي المنطقة والعالم، فإنه سيفقد الصِلة مع
الواقع كما مع مجتمعه وأجياله الشابة الصاعدة، ويبني جداراً عالياً يفصل بينه
وبينهم، أو أنه سيَخلِق هوّة سحيقة، لن يقدر على جَسْرِها، بعد فقدان أي شكلٍ من
التواصل أو التفاهم مع مَن تجاهلهم ولم يأبه بهم.
يُصرُّ هؤلاء على ترداد ذات الشعارات الفجّة، التي بات وقعها كالمطارقِ فوق الرؤوس
وكالسياط على الظهور.
إن غرس القيم الإنسانية ومفاهيم الحرية والحق والعدالة، في أي مجتمع من المجتمعات،
وتقديم نماذج حقيقية من السلوك الموازي لها، هي وحدها الكفيلة بإعطاء الأجيال
الصاعدة دفقاً ودفعاً جديداً للمستقبل والأمل بحياة أفضل. وهؤلاء فقط هم الذين
سيكونون قادرين على مواجهة الاحتلال أو الظلم والطغيان والاستبداد أياً يكن مصدره
أو مكانه وزمانه، وهؤلاء فقط هم الذين سينجحون في اجتياز امتحان الحرية الأخير.
أما الذين ستنجحون في ملء رؤوسهم وحشو أدمِغتهم بالشعارات والخُطَب والقيم الثابتة
والخطوط الحمراء، ثم تُشبِعونهم بذات المفاهيم التي تربّيتم أنتم عليها أو التي
تقومون بتقليدها وترديدها مُنذُ عقود، فلن ينجحوا إلا بتكرار الكوارث والهزائم.
لا أملك تفسيراً لِما أشاهده وأسمعه في قرانا هذه الأيام، إلا ضيق الأفُق،
والأنانية المُفرطة في النظرِ كُلٌ إلى مصالحه ومكتسباته الشخصية التي يتوقع جنيها
جرّاء سلوكه ومواقفه، ومراوحته في ذات المكان والزمان، غيرَ آبِهٍ بالآخرين ولا
بأجيال ولا بمستقبل.
يرتَكِبُ خطاً فادِحاً مَنْ يظن، أنه من خلال تلك الاجتماعات وحفلات التهريج
والزعيق والخطابات في موقع عين التينة، فيما يُسمى المناسبات الوطنية، يُساهمُ في
حشد الناس وتكاتفها، أو تعزيز انتماءاتهم الوطنية، بل أنا أدّعي أنها تفعلُ العكس
تماماً، إلاّ إذا أصرّ البعض على الاستهزاء والاستخفاف بعقول الناس ومشاعرهم إلى
هذا الحد.
وإذا كنتم تدّعون غير ذلك، فلماذا تُقيم كل فئة منكم احتفالها الخاص؟! ففي روسيا،
مثلاً، لا تُقام خمسُ احتفالات بمناسبة الانتصار على ألمانيا النازية، فكيف تفعلون
ذلك في عيد الجلاء والاستقلال وأنتم ما زلتم تحت الاحتلال، هل تضاعفت فرحتكم خمس
مرّات؟!
إذا ما أصرّيتم على تجاهل مجتمعكم وأولادكم وأجيالكم الصاعدة التي ستكون هي صاحبة
القرار في المُستقبل، فإنكم ستجدون أنفسكم يوماً ما، تطلقون أصواتكم من قعر الوادي
لتنادوا على أولادِكم، ولن تتلقوا حينها إلا رجع أصواتكم أنتم.
التعقيب على هذه المادة بالاسم الثلاثي الصريح فقط