من أطفأ الأنوار؟
مسعود الجولاني - 09\06\2010
لطالما سألت نفسي، ما هو التوقيت الأفضل للقائنا؟ أوراء كواليس الليل المتخفّية، أم
على منصّة النهار الكاشفة؟ وكنت على الدوام، أعشق إطلالة الصباح التي تمهّد لحوار
أزلي ما بين خفر الشمس الخجولة وزفرات البحر العاشق، ورغم ذلك، اّثرت اللقاءات
المسائيّة، ولا حرج لديّ بأن تضاف هذه إلى سلسلة التناقضات القابعة في رصيدي.
لست من دعا لهذا الاجتماع، ولا أحسب أن أحدا من الحاضرين تقبّل دعوة ما، إنما هو
لقاء محض صدفة، تلك الصدفة التي جمعتنا في مكان عام، هنالك على مرأى الجميع، وكان
التباين والاختلاف فيما بيننا، بيّنا واضحا، وكأنّنا اّتون من حقب تاريخيّة
متباعدة، وكلّ منّا يمثّل حضارة أمّة مختلفة... ويكاد يكون القاسم المشترك الوحيد،
أنّنا جميعا تكلّمنا العربيّة.
وكان صوت الكؤوس المتعانقة ورائحة نزف عناقيد العنب، أشبه ما يكون بمقدّمة موسيقيّة
لأغنية السهرة المنتظرة في اجتماعنا هذا، لعلّ القدر أراد أن يرسم لوحة تجمع كافة
ألوان الطيف.
وما أن بدأت الكلمات تسيل على الشفاه، حتى خبا فجأة ذلك الضوء المسلّط على طاولتنا،
انطفأ ضوؤه فقط، بحيث لم يشعر بذلك غيرنا...
وفي حين أعجبت برومانسية الضوء الخافت، كان أحد زملاء الجلسة، قد بدأ يردّد بهمس
الايمان، تراتيلا سماويّة... علّها تعيننا على تجاوز هذه المحنة، وآخر استلّ هاتفه
الخليوي، وراح يتكلم بصوت غير مسموع مع من حسبه بتطاول الرياح وبرحمة الغيم المثقل
بالدموع... ربّما يرفع عنّا هذا الغبن.
وفي غمرة هذا السكون، دوى صوت قويّ هادر، تراقصت على أمواجه كؤوس الزجاج الفارغة...
وقال صاحبه:
- إنها ولا شك مؤامرة دنيئة ومخطط مدروس، الهدف من ورائهما تفريقنا وسحقنا إلى
الأبد.
قال هذا وأنا أنظر بدهشة إلى ذلك المصباح الذي شحّ نوره على غير عادة، وكنت متعجّبا
كيف تسرّبت تلك الخيانة المزعومة عبر أسلاك الكهرباء، حتى أنّني رحت أفقد ثقتي
بمحطّات القوّة التي وعلى ما يبدو.. قد سيطرت عليها القوى المشبوهة.
كانت نبرته الحاسمة ونظراته الحادّة أشبه بإعلان رسمي عن انتهاء الجلسة... تفاديا
لتنفيذ مخطّطات المغرضين التآمرين.
همّ بالخروج... وتبعته القطعان البشريّة... وكنت أنا آخرهم.
وقفت بالخارج، وأثناء مغادرتي، نظرت من النافذة مودّعا تلك الطاولة التي جمعتنا من
حولها، وقد لمحت ولدا صغيرا يقف على الطاولة، يتطاول إلى حيث سلك ذلك المصباح،
يحرّكه قليلا... وإذ بالضوء ينهمر من جديد.
ملاحظة: لا توجد علاقة بين المكتوب وزيارتي لدار اللغة العربية.