لقاء الفوج.. ُيعيد الذكريات. - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


لقاء الفوج.. ُيعيد الذكريات.
داوود الجولاني - 13\06\2010
 

الحب:

كان مترددا في قبول الدعوة لحضور حفلة فوج لطلاب أنهوا دراستهم في الثانوية، ليس لأنه لا يشتاقُ لمصافحة زملاء المقاعد والكراسي، الذين مروا مثل زوار مستعجلين العيش في الحياة، وإنما لأنه كان يخشى لقائِها.
أزعجه تردده فقال يوجه الكلام لنفسه: "أتظن أن لقاءك بها سيُجَددُ الحبَ القديم؟ أم أن اللقاء سيحرجُ خجلكَ ، لأنك لم تبح لها بما كان عليكَ البوح به قبل سنين..؟"
أخيرا أزمع، فوصل متأخراً، وجلس بين الحضور مرتبكاً، وأخذ يُجيلُ النظرَ بحثا عنها.
كانت أشجع منه وكأنها تنتظرُ قدومه، فمدت يدها مصافحة.
قال وهو يرمقُها بعسلِ طَير نحلاً نحو جسد كُله سُكر: "قد تغيرتِ كثيراً، ولكن الجمال لا يعرف الضياع في الدروب التي تؤدي إليك".
قالت: "وأنت أيضا. ملامحك جديدة علي، ولكن الخجل ذاته ما زال يترنحُ فوق جناحي النحلة التي تقلُ عينيكَ إلي".
سألها :"أكُنتِ تعرفينَ أني أُحبكِ؟ ". حاولت أن تقول كلاما، لكن الأحرف تبعثرت، بعد المرور فوق الشفتين.
فضحكا مثل طفل سمع لأول مرة نكته.

معلم الرياضيات:

كان شاباً يافعاً، يؤكدُ لنا أن العقل كفيل بحل كل الأُحجيات، وكان يحثُنا على الشك بكل ما هو واضح ويقين، ويقول: "فقط هي الدراسة تكفلُ لنا النجاح بإمتحانات"البجروت".
ولكني لم أكتف بالدراسة حتى قدوم وجه الصباح، فأنهي نعاسي بتلاوة الصلاة والتوسل لله والأنبياء. وهكذا كنت أجتازُ بامتيازٍ كل الامتحانات.
وعندما ألتقيته في حفلة الفوج وجدته متدينا، يعتمر فوق رأسه ثلجا جميلا، صافحني وسأل: "أما زلت تُنهي نعاسك بالصلاة والدعاء؟".
فأجبت: "في الإمتحان الأخير قرأت كثيرا، ودهمني النوم، فلم أصل، ولكني نجحت".

معلم التاريخ:

تقدمتُ منه وحييته: "أنا لم أنساك يا معلم".
سأل وهو يتمايزني بإبتسامة أب : "لماذا ؟".
أجبتُ: "أتذكر يوما أني وقفت أمام طلاب الصف، واعترضتُ على تعلم كتب تاريخ "اليهود"، وقتها قلتَ لي بحدةٍ لا تكن شحشاً، وأقرأ كل ما تجده من كتب عن الشعوب.
حينها شعرتُ أني أكرهُكَ وظننتُ بك الظنون.. فبكيتُ لأني وصلتُ هذا الحد من التفكير...
أما اليوم فأقولها لك لقد قرأتُ الكثيرَ من الكتب، وأدركتُ أني كلما قرأتُ أكثر زاد يقيني أن تاريخ الشعوب دُسَ فيه البهتان ودُسَ فيه الزور.

معلم البيلوجيا:

كان خجولا أكثر منا، نحن الطلبة، حين أدار جسده نحو السبورة، وأخذ يتحدثُ عن الجنس بين الذكر والأنثى... أذكر من كل ذاك الدرس، أن الأثير فقط، فرق بين يدي ويدي زميلتي في الفرصة.

معلم اللغة العبرية:
أشكرهُ لأني أكتبُ اللغةََ العبرية دون أخطاء في الإملاء، وأخجل لأني أكتب اللغة العربية بأخطاء جمة.

معلم اللغة الأنكليزية:
أذكر أنه أول من حرضني على قرأة "هاملت" لشكسبير. فلم أستجب له، ولذلك أجد نفسي لا أتقنُ صياغة الأسئلة.

معلم اللغة العربية:
هو هو دائما يخفي عينيه بنظارة سوداء، ولكنه مازال المعلم الأول دون حصص تعليمية.

معلم المدنيات:

أذكرُ قوله لنا.. أن الإضراب أدى أن نخسر أربعة شهور من العلم، وأن لا ضرورة له.
فأحتج زميل في الصف وخرج بعد أن قال: "هذا الكلام لا يليقُ بك يا معلم.".

والان أتمنى أن أجد موقفا مشابها لأخرج وراء زميلي.


صديق لم أتذكره:

في حفلة الفوج ألتقيتُ بزميل لم ألتقيه منذ الصف الثاني عشر، فتذكرت أنه كان أعز صديقا عندي... أما اليوم فأنا بلا صديق.

المدير:
كعادته أنيق ووقور سألني مجاملا: "أين أنت لم أرك منذ زمن؟."
أجبته: " أنا عامل بناء والعمل لا يتيح اللقاء.
وأنت ماذا تعمل الأن؟ . فقال مستغربا السؤال: "أنا ما زلتُ كما أنا، مدير المدرسة ."
فأجبته: "ألم يحن الوقت بعد؟."

الشجرة:

الشجرة قالت: "نسيتموني ولم أنساكم. فلم أكن تلميذاً أو تلميذة، ولكني أسكنُ في باحة المدرسة، وكلكم حفرتم فوق ساقي الكلمات...".