الجولان الأرض التي نعشق
مجيد أبو صالح - 21\06\2010
أنا ابن الجولان، تلك الجبال والوهاد الحبيبة، ارض الخصب والمطر والينابيع ، انا
ابن مجدل شمس ‘ اقحوانة الجولان وبنت جبل الشيخ الشامخة كشموخه ، انا من مشى حقول
الجولان وصعد تلالها وهبط اوديتها في طفولته وشبابه ، انا من تمرغ فوق تربها والتحف
غيماتها ونجمات سماها ومن قطف من زهورها واقحوانها ، انا من لا ولن يستطع ان ينسى
شيئا من تضاريسها ويعيش في عقله وفي قلبه ناسها وتاريخها ، وينسى كل شيء الا ما
تعلق بها ، فانا العاشق القائل فيها :
عشقها في حنايا القلب متقد ، لظى"، ولا عن ناظري غابت روابيها
ولا حصى الدرب وجدران ازقتها ولا الظبية خلف النوافذ ، بين دواليها
وابقى انا المشتاق حتى الموت ، اوصيت ابنائي ان يعيدوا رفاتي لارض الجولان ،
معشوقتي ، حين عودتهم اليها املا بخلود الروح فوق روابيها :
ايه مجد الشمس ؛ كان ثراك حانيا ، ضمي رفاة ابنك المشتاق ، ضميها
ان فعلت ، ستعلو روحه كل سماء ، كما لوعاد حيا خالدا فيها
الجولان ، وتقفز للذهن مجموعة هائلة من الافكار ، وتزدحم في العقل وفي القلب الصور
، بعضها مطرز بالامل بالنصر وبالغد المشرق الناصع لامتنا العربية ، وبعضها الآ خر
تشوبه رنة احباط ، امر لابد من جهد لافشاله والخلاص منه ‘ هنا تلتمع في ذاكرتي رؤية
وقول الخالد الرئيس حافظ الاسد : (سنجعل من الجولان وسط سورية) ، الجولان بحق وسط
وقلب سورية ، فلنعمل نحن لتحقيق ما اراده ذلك العظيم الراحل ، نحن قادرون ،ان عزمنا
، رغم كل ما يحيط بنا وعلمنا بما يضمره لنا الاقارب والاباعد ، وما يخططه لنا
الاعداء .
تذهب الافكار لابعد من هذا ، وتتعرج ، وهنا اجد انه ليس الاهم مانقرأه في كتب
التاريخ حول الجولان ، منذ ان كانت ارض الجولان جسرا للفتوحات العربية والاسلامية
او اماكن تجمع قواها ومرابطتها ، اوتاريخ سكانها وابطالها ، هذا كان قبلا ، والحاضر
موصول بالماضي ، فان ذكرت الجولان اوكما افعل دوما ، وازور امكنة حبيبة مقابلة لهذه
الجنة الرازحة تحت الاحتلال ، يتحرك شريط الذاكرة فورا ،لاستعيد ما كنت اسمعه من
الاهل بصدقهم ، وما كنت المسه من مشاعرهم ومن رغباتهم وامانيهم ، اذ كانوا يعبرون
عنها بسر د نضالهم ، كيف قاتلوا المحتل العثماني في فترة زمنية سابقة ، لاسيما
ذكريات الكبار منهم الذين ابعدوا آنذاك عن ديارهم او تشردوا في ديار اخرى ، وما
سمعته من جيل يلي ذاك الجيل وقد قاتل الاستعمار الفرنسي ، كان والدي يعتز ويتباهى
ولعله يشد من عزيمتي حين كان يقول لي : انظر يابني كيف اخترقني رصاص الفرنسيين من
جانب الى آخر في معركة قرب بقعاثا ، وآخر يحدثني عن مشاركته في تحرير قلعة راشيا من
الفرنسيين واحراقها ، وآخرون رووا لي قتالهم الحملة الفرنسية على مجدل شمس
وملاقاتهم لها قبل وصولها البلدة ، ومنهم من روى باعتزاز مشاهدته دماء المستعمرين
تجري على الطريق المرصوفة نتيجة قتال ضار بعد ان نصبوا كمينا موفقا تصدى لارتالهم ،
وسمعت كثيرا ومن معظمهم كيف كانوا يهربون الى الجبال نهارا ليعودوا لمهاجمة العدو
ليلا .
انهم لايكذبون ، فقد كان لديهم من العزم والايمان ومن التعلق بوطنهم ما يدفعهم
للموت في سبيله ، حدثوني عن شهدائهم في كل حمله وكيف قاتلوا وكيف استشهدوا ، ليتنا
مثلهم ، انه الانتماء الشديد لعروبتهم ولوطنهم .
وتنتقل الذاكرة لصور اكثر قربا مما سبق ، فتمر في مخيلتي ذكرى البدء بالتنظيم
والعمل الحزبي في الخمسينات من القرن الماضي ، وزياراتنا لقرى الجولان لهذا الهدف ،
وكانت رؤؤسنا ممتلئة بالافكار والاحلام ، وكلها تتمحور حول تحقيق اهداف امتنا
العربية ، ولم يكن في مخيلتنا سوى العمل لتحقيق تلك الاهداف ، ولم يشغلنا عن ذلك
لاالتفكير بالجوع والحاجة ولم يكن يرد في ذهننا اوخاطرنا اي نوع من انواع الرفاهية
،لاالسيارة ولا البيت ولا الكماليات ولا حتى الحاجيات ، فاتساءل مقارنة : ماذا نحن
الآن وماالذي تغير ؟ اين نحن من آبائنا واجدادنا ، اين نحن من ذاك الماضي المشرف ؟
هنا يستوقفني وضع الاهل في الجولان الآن تحت الاحتلال واستعرض نضالهم الحديث ،
ووقوفهم في وجه هذا الاحتلال البغيض ورفضهم هوية المحتل وتمسكهم بعروبتهم وبجنسيتهم
العربية السورية ، وانهم لم ولن يقبلوا عنها بديلا فاطرب في اعماقي لقولهم :
(المنّية ولا الهوية) .
اصل بافكاري الى تذكر وثيقة الاهل (الوثيقة الوطنية) التي وضعوها في بداية الاحتلال
لتكون دستورا لهم ، ورأ يي، انها تصلح لتكون دستورا لكل شعب يعاني الاحتلال ،
ويناضل مقاوما هذا الاحتلال ، وهي وحدها تكفي للتعبير عن عمق انتمائهم لعروبتهم ،
وفيها يتجلى الالتحام الوطني وانصهار كل الفئات ، الدينية والسياسية والاجتماعية في
بوتقة العمل الوطني وفي موقف واحد هو كراهية المحتل وعدم الرضوخ له ، والاخلاص
لماضي الاجداد وتاريخ ونضال الوطن الام سورية .
الجولان في القلب ، الجولان عائد ، نعم ، وهو مانردده كل يوم وكل ساعة ، وهذا لابد
ان يعيدنا الى التمعن في اسباب ماوصلنا اليه ، وان ندرس بعمق مخططات الاعداء
القديمة الجديدة ، وخاصة الاطماع الصهيونية في فلسطين والجولان والارض العربية ،
وان ندرس بعمق اكثر وبنظرة ثلاثية الابعاد كما يقال ، ماوضعته الصهيونية وقوى الغرب
الاستعماري من مخططات لتمزيق شعوب امتينا العربية والاسلامية مستندة الى امراض
تخلفنا الموروثة من العهود الاستعمارية التي توالت على شعوبنا وتركت لنا الفقر
والجهل والمرض والتخلف بانواعه الفكرية والعلمية والطائفية والعائلية والقبلية الى
آخر السلسلة ؛ ولا بد من ان نعي بان الاعداء مستمرون في العمل لتمزيق جسد هاتين
الامتين ، واصرارهم على تمزيق الممزق وتقسيم المقسم ، فهم لم ولن يكتفوا بسايكس
بيكو ، ومستمرون، وان فشلوا مرة او بمنطقة فلا يعني هذا انهم قد ارتدعوا ، سيعيدون
الكرة ، المؤامرة مستمرة ، ولننظر ماذا فعلوا ويفعلون في فلسطين والجولان وفي
العراق والسودان وفي الصومال وافغانستان وباكستان ، وان فشلوا في لبنان بفعل وفضل
المقاومة فلا يعني انهم لن يحاولوا مجددا مرات ومرات .
مؤلمة تلك الصور ، ولكن لابد من رؤيتها ، والاهم انه لابد من العمل والنضال لدحر
المؤامرة المستمرة ، اعود بتفكيري للجولان وارض الجولان ، وهي امامي ، يتعمق
التفاؤل عندي ، فهذه الارض كانت جسرا للفتوحات العربية والاسلامية وارض الانطلاق
للتحرير ، انها ستكون كذلك ثانية ، ليس عبثا وقفة الاهل تحت الاحتلال ورفضهم له ،
وما اروع وقفتهم الرافضة لهوية المحتل وتمسكهم بعروبتهم وهويتهم السورية وما اروع
تمسك الوطن الام سورية بتحرير الجولان ومواقف القيادة في دعم الاهل وصمودهم ، وما
اروع ما علمتنا اياه المقاومة في لبنان وفلسطين ، وتضاف لتلك الايجابيات ان ظروف
الغرب الاستعماري قد تبدلت وان كان لم يتخلى عن مخططاته بعد، ولعل البعض من الحكام
العرب الموالون لهذا الغرب سيدركون مصالح امتهم ويغيرون مسارهم ، او يتغيرون ، وان
الاكثر اهمية واثرا هو وعي شعوب امتنا المتنامي والتي اخذت بنزع اثواب التخلف عنها
، اننا لن نلدغ من نفس الجحر مرات اخرى .
يبدأ الليل بارخاء سدوله ، واهم بمغادرة المكان قبالة ارض الجولان الى يوم آخر، وفي
الطريق تلازمني نبؤة ورغبة الراحل الكبير بجعل الجولان وسط سورية ، فتسطع الآمال في
نفسي اكثر واقول انه لابد من انتصار هذه الامه ، وسيكون تحرير الجولان بداية تحقيق
اهدافها الكبرى .
_____________________
نشرته مجلة ( الحياة الفكرية )الصادرة عن وزارة الثقافة - الهيئة العامة السورية
للكتاب ، العدد ( 3) 2010