صعود المطر
مسعود الجولاني - 20\07\2010
التقيته على شاطئ البحر, وقد استلقى بالقرب منّي,
مستسلما لقبل الشمس ودعابة البحر. أنا لا أعرفه
من قبل, انّما هي رياح القدر التي حملت أوراقا متباعدة,
لم تلتق من قيل, ورمتها متقاربة على قارعة الزمن.
كنت وحدي ولم يكن برفقته أحد, وفي لحظة عابرة,
حاصرتنا ذاكرة مجاملات الجيرة, فكان التعارف
والسلام والقليل القليل من الكلمات. ولكنني عدت بعد ذلك
لأضيع في متاهات هواجسي وأفكاري. كدت أنسى وجوده جانبي
لولا أنه بادر بدعوتي لنمشي ونتجوّل حفاة على رمال الشاطئ الدافئة... قبلت الدعوة
دون تردّد, خاصة وأن ذلك سيضفي تنوّعا على ذلك اليوم الهادئ.
وما أن بدأت جولتنا, حتّى أرهقت النظرات بجمال وروعة المشهد... خدود وردية, شفاه
متعطّشة, صدور ناهدة وأعمدة من مرمر, وقد اختلط علي الأمر ما بين قطرات الماء التي
تنساب على الأجسام الناعمة، وبين دموع العطر التي ترافقها. اّه كم تمنيت من زائرات
البحر الجميلات, أن تخلعن نظّاراتهن الشمسية.. فيغرق البحر الهادر حينها ببحر
العيون الجريئة. حقا أنني اكتشفت اليوم سبب تبخّر مياه البحر, انه ولا شك هول ما
يرى على شاطئه وحرارة الدرّ الذي يغطس في أعبابه, وان الشمس بريئة مما ينسب اليها
زورا وبهتانا.
ولكنّه كان يمشي بجانبي دون أن يعير ذلك أيا من اهتماماته. لم يبد عليه التأثّر
والانفعال, ربّما تعلّقه بسحر من كان يمشي أمامنا على الرمال المبلّلة, أشغله عمّا
تملّكني. لعلّ ذلك الاعجاب أسره وخدّر حواسه, وما أن لمحت ذلك القد الميّاس وهاك
الشعر المتوسط الطول, حتى انضممت أنا أيضا لنادي المعجبين بمن يختال ماشيا أمامنا,
وراح يطربنا ايقاع تلك المشية، وصارت خارطة طريقنا تحدّدها اّثار الأقدام المرسومة
على الرمال الرطبة. كل هذا دون أن نصارح بعضنا بهذا الانشغال, وكأن كلا منّا يريد
التفرّد بزهرة الربيع التي ظهرت فجأة على الرمال المالحة. وكنت قد بدأت أغار من
نظرات مرافقي, وخفت أن يسبقني الى ما نوينا عليه دون تنسيق.
وراح الخيال يعبث بخفقات القلب.. ترى كيف هي ملامح الوجه؟ أكحيلة العينين؟ وماذا عن
نغمات الصوت وحرارة الأنفاس؟ هل ستبادلني المشاعر أم لعلّه سيربح المعركة غير
المعلنة؟ وفي غمرة هذا الانشغال، يلتفت من نلاحق الى الوراء, ويا للصدمة, انه شاب
من جنسنا! كم أحرجت وتأفّفت لضياع اللحظات سدى, ولكن مفاجئتي الأكبر كانت عندما
استمرّ مرافقي بالمسير باتجاهه, اقترب منه واذ بهما يبتسمان, وكأن نظراتهما
المشبوهة تبوح بفرحة كل منهما بالاّخر.أكملا المسير الى أن غابا عن الأنظار.
وفجأة هاجت عوالمي وتبدلت أحوالي.. لم تعد تغريني موجات البحر, وفقدت أنس ضجيج
الحياة على الشاطئ. رجعت أدراجي مسرعا. جمعت أمتعتي على عجل,وغادرت المكان دون أن
أنظر الى الوراء.