كفى جهلا...وتجاهلا
سميح أيوب - 25\07\2010
أصبح العالم بمجملة قرية صغيرة.. يسهل التخاطب بين أبنائه بالصوت والصورة والكلمة،
وقصرت المسافات بين قلوب عزاؤها رؤية من غاب قسراً أو طوعاً؛ منهم من طلب العلم
ومنهم من قصد لقمة العيش، وآخرون لعب في مصيرهم ظلم قاهر وقوة عمياء لا تعرف الرحمة
أو أدنى معايير الإنسانية، للاستيلاء على البيت والأرض والينبوع، تاركا ذكريات
الطفولة والشباب بسفح رابية أو مساحة حقل كان بالأمس يلامس سنابله أو يقطف ثماره،
لتبدأ رحلته مع التشتت والعذاب عبر مخيم أو في هذه الكرة الأرضية الشاسعة، والذل
والمهانة عبر قوانين وضعها بشر جل أهدافهم المصلحة الذاتية سياسية كانت أو اقتصادية.
فعبر هذا الواقع أتت الشبكة العنكبوتية لتقلل من مأساة الشوق الذي يحرق الأفئدة
ويشتت الأفكار ويزيد العذاب حرقة.
ولكن ما دامت هناك إرادة بشرية تؤمن بالدفاع عن كرامة الإنسان وحرية الفرد والمجتمع,
وربما عن وطن يكن له الحب والانتماء مقدما حياته رخيصة على مذبح العذابات متحديا
ظلام الليل وعصى الجلاد ورطوبة الزنازين، طامحا في انتزاع فجر الحرية المرا،د يسبح
عكس تيار القمع والشر، متألقا في فضاء يبحث عن السعادة لأبناء الإنسانية، فمنهم من
وصل لتصبح السيطرة والعنصرية العمياء ضربا من الماضي، وتبدأ مرحلة التحرر وبناء
المستقبل السعيد لمظلومي العالم، ويلعن كل من خيب آمال شعبه ليرتمي في أحضان
الشيطان.
وكجزء من هذا العالم المترامي الأطراف.. لنا نحن في الجولان خصوصيات افتخار، جذورها
حضارة أمة وتاريخها وفروعها القومية وثمارها الوطن الحر والإنسان العاشق له.
بسواعدنا بنينا مجدا.. ووقفنا بأجسادنا في وجه رياح الظلم العاتية.. رافعين هاماتنا
لتطاول شيخنا الأشم.. لتصفع اكفنا الأعداء وترسم أصابعنا إشارة نصر, وتتطلع أعيننا
للشرق عابرة المسافات لتصبح على وطن وتمسي عليه. وقلوب مفعمة بأمل اللقاء والتحرر.
جارينا عصر التقدم .. ليصبح إعلامنا لسان حالنا, يطوف أصقاع الأرض لنسمع صوتنا
وانين المعاناة، في زمن عز به العيش في أحضان وطن وعشنا به أيتاما.
وأصبحت مواقعنا الإعلامية مادة تواصل مع الأحبة، وأرشفة تاريخية لأحداث سوف تفخر
بها الأجيال من أحفادنا وأحفاد الأمة، في مستقبل ستغمر به شمس الحرية أرجاء الوطن،
يتنفسون به هواءه الطيب النقي من مشرقه إلى مغربه دون حدود.. ودون الأشرار من حكام
باعوا أنفسهم لشيطان الغرب.
شباب نذروا أنفسهم لرفع شان مجتمعهم، فكان لمواقعهم الإعلامية دور في التوعية
والثقافة ومقارعة المحتل وفضح ممارساته، فكانت بمثابة مدرسة وطنية لنشر الوعي
وتمجيد الوطن وأرشفة الأحداث.
بينما سلكت فئة قليلة طريق الضلال والفساد لتستل أقلامها الناشفة كنشافة عقولهم
وأوراقهم الصفراء كاصفرار وجوههم، ليصبوا حقدهم وحسدهم وقصر نظرهم في كتابة تقرير
كاذب آو إرسال فاكس مزيف لرفع شانهم أو إرضاء مسؤول جاهل يرى حياة الآخرين في مساحة
طاولته النظيفة أو كرسيه، وحدود فكرة لا تتجاوز جدران مكتب أو كلمات فاكس مغرض
يتربع درجة.. فينصب نفسه قاضيا وجلادا متلاعبا بتاريخ شعب ومسيرة نضال، ليصبح الأمر
والناهي دون مراعاة مشاعر وطنية أو ضمير إنساني، ولا يحمل نفسه عبء البحث عن
الحقيقة. هذا ما تطالعنا به الأحداث.. وتوصلنا إليه الممارسات.. فنوقن بان الجهل
المستشري ينفث ناره الحارقة ونحن عنصرها. ولكننا نعي الأحداث ونضع النقاط على
الحروف، فالوطن ليس شخصا بحد ذاته. الأشخاص يذهبون والوطن باق بأرضه.. بشعبه..
بتاريخه.. ومجده. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره.. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ولكن
الخير في النفس البشرية يقهر الشر والإثم.
ففي غمرة الأحداث التي نعيشها نستيقظ كل يوم لنصبح على وطن ونقرا أخباره لتطمأن
النفس انه بخير، فنفاجأ بخبر عن حضر بعض المواقع الإعلامية الجولانية في الوطن
المفدى، وبقرار من وزارة الثقافة. تحدق العيون استغرابا كما تتفطر قلوب الملايين من
روادها في الوطن حزنا لحظر موقع طالما كان لهم بمثابة غذاء الروح في التواصل مع
أحبائهم الصامدين في السليب من الوطن، أو مشاهدة قراهم وبيوتهم وحقولهم محط
ذكرياتهم وآمالهم.
وتمضي أيام عدة فنقرأ خبرا آخر يثير حفيظتنا ويدخلنا في عالم البلبلة والإحباط: (وزارة
الثقافة السورية في محافظة إدلب، تدعو شخصية جولانية وفرقته للمشاركة في مهرجان
الفنون الشعبية)، وتنتظر رده لتسهيل عبوره إلى الوطن وتهيئة مراسيم الاستقبال. عجبا
...ما هذه المفارقات.. هل يعلمون من تكون هذه الشخصية.. تاريخه سيرته الذاتية،
علاقته بالمجتمع.. ما هذا الجهل.. وما هذه الدعوة البلهاء.
ثلاثة وأربعون عاما قضت ونحن أصحاب البيت.. وصاحب البيت أدرى بما فيه.. ثلاثة
وأربعون عاما ونحن أسياد الموقف، نميز الخطأ ونعمل الصواب. ثلاثة وأربعون عاما من
النضال والعنفوان، من الحب والانتماء، من الصبر والعزيمة، أقوياء بالوحدة والشكيمة،
نصون الأرض ونحرق من يعادينا. لم تثني عزائمنا ولا رياح الشر، تثنينا عن طريق زرعنا
به مبادءنا وصناه بعيوننا.
كفى إحباطاً.. كفى جهلاً.. والدعم كل الدعم للصامدين في الجزء المحتل من الوطن،
جنوده الأشاوس، المدافعين عن ترابه وكرامته، آملين بان نلقى آذان صاغية وشفافية في
التعامل.
نفخر بكم فافخروا بنا، ولعل ما شهدته مجدل شمس والجولان في الأسابيع الاخيرة خير
شاهد على صدق الكلام.