الأصالة والنسيان
سميح أيوب - 02\08\2010
يتساءل الكثيرون عن أسباب قدوم سكان الجولان إلى هذه المنطقة ومن أين أتوا. حيث ما
زالت جذورهم باقية في العديد من البلاد التي هجروها. فتتضارب الأفكار والأسباب
وتكثر الاجتهادات في التفسير بين العديد من الباحثين والكتاب. وتكثر التحاليل.
احدهم يعزوا الأمر في البحث عن الكلأ والماء لمواشيهم... ويقول أخر هروبا من الظلم
ودفع الضرائب للسلطان... وثالث يصفهم بالمهربين المطلوبين .
ولكني ما زلت اذكر كلام مسن حكيم ينفي كل ما قيل، ويرجح بان من أتى للسكن في هذه
الجبال العاصية هم قلة من الثائرين على الظلم والرافضين الانصياع لإمرة مغتصب الأرض
ومسلط سيفه على رقاب الشعوب. فئة تحدت المحتل وتمردت عليه، سلاحها الإرادة وزادها
الشجاعة وهدفها التحرر والحياة الكريمة. وربما هذه هي الحقيقة والتي تؤكدها تغيير
أسماء العائلات. فتارة تعود إلى اسم المنطقة التي قدموا منها وتارة أخرى نسبة إلى
اسم الجد.
مجدهم التاريخ ببطولاتهم التي تجلت في ثورات ثلاث ضد الاستعمار التركي، وثورة ضد
الاستعمار الفرنسي. ونضال أربعة عقود ونيف ضد الاحتلال الإسرائيلي . حقا لقد
امتهنوا النضال والتحدي وتفانوا بخوض الصعاب للحفاظ على انتماء قومي ووطني. حافظين
وصية الأقدمين من الأجداد، لخلق المستقبل السعيد للأبناء.
وعبر هذه النضالات استطاعوا فتح طريق المستقبل لأبنائهم حيث ابتدأ السماح لهم إتمام
دراستهم في معاهد العالم وجامعات الوطن, الذي كان بمثابة الأم الرؤوم التي تحضن
أبنائها. تكفل بتعليمهم وسكنهم المجاني , وخصص لهم دعما معنويا واقتصاديا بشكل منحة
شهرية متواضعة. فكانوا بمستوى المسؤولية بتحصيلهم العلمي, وواجباتهم برد الجميل
لوطنهم ومجتمعهم بعد إنهاء دراستهم وعودتهم إلى مسقط رأسهم وذويهم، مسلحين
بشهاداتهم واختصاصاتهم في مجالات عده من طب ومحاماة وهندسة وعلوم أخرى، تخفف من
آلام الأهالي صحية كانت أو الدفاع عن قضاياهم لرفع الظلم عنهم، كجزء من رد الجميل
لأولئك الذين عملوا بدأب لإيصالهم إلى مستقبلهم المنشود هذا.
وكان لهم دور ايجابي في استمرارية نضال أهلهم في الجولان للتصدي لعمليات التأطير،
من قبل المحتل، الهادفة إلى طمس هويتهم وصهرها في بوتقة الضياع، والتي بدأته في
تعيين مجلس محلي , وفرض الجنسية الإسرائيلية, والعمل للانخراط في مؤسسات الاحتلال،
فكان أبناؤنا العائدين من الوطن خير سند للحفاظ على المبدأ والموقف.
ولكن في الفترة الأخيرة بدأت تطفوا على الساحة بعض التصرفات من قبل فئة قليلة ربما
يكون قد غرر بها، أو لم تدري خطورة الطريق الذي تسلكه وتأثيراته السلبية علينا
كمجتمع، أو على طريق الكرامة الذي عبدناه للأجيال بدماء شهدائنا ومعاناة مناضلينا،
ودموع الأمهات وجوع وصراخ أطفالنا. وتتجلى تلك التصرفات في موافقة بعض الإخوة من
حملة شهادة طبيب أسنان الانتساب لنقابة أطباء الآسنان الإسرائيلية.غير مكترثين لما
يحمله ذلك من مخاطر على المجتمع الذي قاوم وما زال يقاوم الانخراط في مؤسسات
الاحتلال. ناكرين جميل وطنهم ومجتمعهم لما وصلوا إليه من علم. وهم يعرفون حقيقة
المعرفة بأنه لا يوجد لهم أي مكاسب علمية أو اقتصادية من ذلك. ولا يوجد أي قانون
يلزمهم بذلك. وهم من يعرفون حقيقة الأرقام , حيث يوجد في إسرائيل أكثر من 13000
شهادة طب أسنان من عرب ويهود وفقط المنتسبون لهذه النقابة لا يتجاوزون 3400 طبيب.
ما هكذا تورد الإبل أيها السادة. فشهاداتكم هي نتاج موقف مجتمع ووطن، ولا تدعوا
جهلكم يكون سابقة تقودنا إلى مواجهات اجتماعية، وتشتت وانفصال وخلاف بين أبناء
العائلة الجولانية الكريمة في أخلاقها وموقفها وثوابتها الوطنية. ولكي لا يكون
مصيركم كمصير من غرر بهم في استلام الجنسية الإسرائيلية. الرجاء عودوا إلى رشدكم
قبل فوات الأوان, فأصالة ذويكم ومجتمعكم ستبقى حية لا يلغيها خنوع أو يطويها نسيان.