إشهار وإعصار
مسعود الجولاني - 04\09\2010
منذ مدّة وأنا أماطل ذاتي بلقاء في لحظة تأمل, وقد خشيت نقد نمط الحياة التي
احترفتها في السنين الأخيرة. ربّما سبب تلك المماطلة هو
الخوف من تلذّذ الضمير بتأنيبي ومعاتبتي, أو لعلّه
الكبرياء المتعالي الذي يفترض سلفا أن الصواب يتبع خطواتي ولست أنا من عليه أن
يلاحقه. عجبا, ما الذي دفع
أجزاءا منّي أن تتبعثر أمام ناظريّ وتتخلّى عنّي وتهجرني كما يهجر النوم عاشقا
متيما؟ وها قد أقبلت عليّ تلك اللحظة غير المنتظرة,
تقدّمت منّي بهدوء وسكينة, وقبل أن تبدأ اللوم,
فاجأتها باعترافاتي: - لقد سئمت ذلك اللون من النساء,
وعفت رائحة الرغبة التي تنسلّ من لفتاتهن, وهن
تتسللن إلى مخدعي ليلا, ثمّ أنّ شعور الشبع والاكتفاء,
أنقذ رجولتي المنهكة وجعلني أفكّر بتغيير ينفخ الروح في سهراتي الإباحية
ويعيد تلوين مسيرتي البائسة.
وفجأة, قرّرت التخلي عن جميع عابرات السرير في هاتفي
النقّال, وشعرت وأنا أحذف أرقامهن,
كمن يرمي تحفا بائدة, قد ملّها بعد أن كانت
بحوزته لفترة طويلة.
أحسست حينها أن قدسية الحب قد حاصرتني وتملكتني, ورحت
أبحث عن حبّ من النظرة الأولى, يجعلني أخلص لامرأة
واحدة, ويداعب عندي رعشة الوجدان ويتلاعب بخفقات الجنان,
فنتفنّن معا بممارسة طقوس التضحية والاحترام واللذّة والانسجام.
لطالما حسبت أنّ ذلك النوع من الحب, الذي يولد من أولى
النظرات, يأتي مفاجئا ومباغتا,
ولكنّني عزمت على كسر تلك القاعدة, بأن أفتّش عنه
ليكون مرساتي في شاطئ العفّة والوفاء.
همت على وجهي بين الزهور والفراشات, ورحت أتفنّن بإطلاق
النظرات اللافتة, وقد حسبت نفسي متخصّصا في هذا المجال.
لعلّني وجدت هذا الحب في عيني تلك الفاتنة, يا للسحر
الآسر في عينيها, ولكن مهلا,
ما هذا السلسال المذهّب الذي يتراقص على صدرها؟ إنّه
سلسال يجاهر بغصنين متقاطعين... نسيت جمال العينين ورحت
أبحث عن أخرى.
لا أدري, ربّما هذه الجميلة التي تهاوى شلال شعرها على
صدرها الناهد, لينوب عنّي في مداعبة الجارين,
أظنني نجحت هذه المرة, ولكن..
ماذا عن ذلك القمر المنقوص الذي أشكلته في شعرها...
فتابعت مسيري.
أقبلت عليّ حسناء ينبعث النور من محياها, وكل الرقّة في
نظراتها, كانت تقود سيارتها بهدوء,
أوقفتها بجانبي, وما أن غادرتها حتّى انتصب أمامي
قوامها الغض الجميل, ولكنّني تمالكت أعصابي,
ونظرت فقط لوجهها الأخّاذ, مع أن كثيرا من
مفاتنها كانت تحاول التسلّل من عتمة الثياب, ربّما هي
أخيرا, ولكن ما أن لمحت راية الألوان التي ألصقتها على
سيارتها... حتّى مشيت مبتعدا.
تساءلت مستغربا, لماذا يمارسن لعبة الأحزاب المتشرذمة,
ألا يكفي الانتماء للأنوثة. ولكن,
لماذا أنا أصبحت متطلبا عندما ارتبط الأمر بالحب,
وقد كنت بالأمس القريب أكثر المتساهلين.
ما بي أفقد الرياح التي تدفع بأشرعتي؟..لقد أضعت خارطة الطريق وأضاعتني,
وفقدت كل دوافعي بإكمال هذه الرحلة. خاطبت نفسي
متهكّما:
-يا لسذاجة تلك البدعة التي تلوّح بالحب من النظرة الأولى.
عدت أدراجي وبي حنين لرائحة النساء التي تعودتها,
ووجدتني على فراشي, أنتظر إحداهن من ذلك اللون,
وتخليت عن فكرة مباغتة الزمن, وتركت ذلك الهرم
يكمل مسيرته بعيدا عن مداخلاتي الطائشة.