اللّوحة المزيّفة
مسعود
الجولاني - 12\10\2010
والتقينا بعد طول غياب,وقد لمحت في عينيه نظرات اللوم والعتاب, وكأنه يقول: ما كل
هذا الجفاء؟ أين ليالي الأنس والوصال؟ ألا تذكر الأمس القريب؟
وما أن سقطت هذه الكلمات على مسمعي, أو كادت, حتى تملّكني حنين الذكريات,حين كان
الزهر أكثر عطرا والمطر أكثر غزارة,وكانت الأيام تشبه أحلامي الهانئة, والعذاب فيه
من اللذّة والنقاء والتجلي... حين كانت الحياة برائحة الخبز.
قال: امسح دموعك على ما فات,وانظر من حولك...تتكمّش بكتاب من ورق,محّى منه الزمن
أسطرا وعبارات,وتخفي رسائلك قريبا من صدرك,وغيرك يرسلها عبر الأثير .
قلت: اتركني على حالي,كما أنا,واعتبرني صورة عن أيام خلت,ولكن إياك أن تزعم التقدم
والرقي,فكل جديدك أنك أصبحت أكثر استهلاكا وأكثر تخمة,ولم يعد لديك فرق واضح ما بين
النصر والهزيمة,تتغنّى بإقفال سوق النخاسة وقد أمسيت من الرقيق.
قال: هل أنت جائع ؟ عاشق؟
قلت: أبعد عنّي وجباتك المشبوهة,تلك التي تسلّل إليها جشع من أنت معجب بهم,وتكفيني
الأعشاب التي لم تدسها بعد,وليذهب إلى الجحيم الحب في أعرافكم, ذلك التي تسيّره لغة
المصالح.
قال: ستستسلم قريبا, أنت محاصر ولم يبق شىء دون تدخلنا... نغماتنا تتمايل في
الموسيقى, صرعاتنا موضة, نزعاتنا تهيمن على العقول, على هوانا التاريخ
ومزاجيتنا تفرض الجغرافيا واقعا.
قلت: ولكنّكم لن تسيطروا على أحلامي, ستبقى أحلامي منيعة... بالأبيض والأسود, بعيدة
عن زخرفة الصورة وتفاهة الموضوع,في منأى عن السياسة والغموض والحتلنة... طبيعية كما
هي رائحة شجرة التين عند الصباح, آسرة كما هي زهوة ضوء قمر, ذلك القمر الذي خلع ثوب
النعاس عندما لمح شقاوة تلك الموجات العاريات, لن تسلبوني قلمي وجموح خيالي, أصالتي
وركن صلاتي.
رمقني بنظرة استخفاف موجعة أشعرتني بعجزي وضاّلتي... أغاضني لدرجة أنني قررت
اغتياله... فرميت حجرا في البئر التي كنت أنظر فيها...غرقت صورته بزوبعة من الأمواج
الدائرية, نهضت مسرعا لئلا يسبقني الزمن, حملت حاسوبي النقّال وسرت على دربهم...
ألوّن في اللوحة المزيفة.