أين هو المرسى؟
مسعود الجولاني - 03\12\2010
خيوط رفيعة من مطر تبعثرها قليلا
نُسيمات مُنهكة,وشمس خجلى تسترق النظر بخفّة,وما أن التقت تلك اللفتات بذلك
العزف,حتّى تشكّلت مرآة من شمس ومطر وظل...مرآة تصل الأرض بالسماء.
نظر فيها وقال:" تُرى,أهذا أنا؟ ما الذي يحدث لي ولهم؟
بعد كل تلك السنين الغابرة,حيث كنت أنعم بأجمل اللحظات وأسمع أعذب كلمات الثناء, من
كل أفراد هذا القوم,فلا أحد تغمض له عين إذا لم أكن-كما جرت العادة-محفوظا
كالأمانة,مصانا كما الكتاب المقدس,عزيزا عصيّا نقيّا ,كما الثلج المترامي على أعالي
القمم.
ومرت السنون سريعة خاطفة,وقد لاحظت أن كل شيء من حولي يتبدّل ويتحوّل,فما السبيل
كما كان ولا العابر بقي على حاله. ولكنّني حسبت أن لي أنا حصانة عند هذا القوم,فلن
تطالني رياح التغيير وتعبث برتابة أوراقي,ولن تظهر على ملامحي خطوط الزمن وآهاته...
يا لسذاجتي,ظننت يوما أن الجميع يهرم وينحني,إلا أنا سأبقى منتصب القامة ومرفوع
الهامة.
هيهات راحة البال,فهذه الأيّام تضيّق عليّ المجال وتحدّ المدى من حولي وتمنع النور
أن يترامى أمام ناظريّ,فقد ضعفت سطوة هيبتي,وأُجبرت على التنقّل من مكان إلى
آخر,وصار كلٌ يصفني بشكل مغاير,فتارة رمز غابر وطورا ضمان البقاء والاستمرار,في بيت
أكون في قدس الأقداس وفي آخر أُركن على الهامش...تماما كما حدث مع أولئك القابعين
وراء البحار,قبل سنوات عديدة خلت. وها أنا الآن,تائه حائر مُشتّت,أنظر في المرآة
ولا أعرف من أكون... هل أنا وميض من الذاكرة؟
أكائن سيُتقن غصبا فنون الهجرة؟
أم لعلني شبح خرافيّ زائل؟
أم ربما مارد أسطوريّ يرافق قومه من الأزل إلى الأبد؟ "
أفقت من نومي مذعورا على صدى دعوات الاستسقاء...نظرت من النافذة,وإذ بشبان يشبهونني,
يستجدون السماء ويكتفون بطلب رسائل من مطر.