بين صور الانبياء ومرايا الحاضر.. بيت لحم
فارس القلعاني - 15\01\2011
بين سطور التاريخ تعبر خطاك، وبين حضارات عريقة تمتع ناظريك وتتاْلم بما فعله الانسان المتحضر.
هناك تمتزج أصوات الكتب المقدسة لتعلو ترانيم القرآن الكريم بمزيج من الحان اْجراس الكنائس. وخلف
سياج عظيم تقبع حجرة ستنا راحيل وقد سلبت حريتها وحكم عليها بالسجن بين جدران تهاب أن تعبرها الطيور...
ما أن تنهي عبور طرق ملتوية مليئة بجوانبها بزركشة الانسان العصري، حتى تبدأ خطاك الهوينا، فتدخل الصمت رغم زحمة الزائرين، في ساحة تعيدك إلى ما قبل قرون، يحيطها حصن ليحضن مغارة عمرها اكبر من عمر الميلاد.
وتمتزج لغات العالم كلها بتاريخ عريق. الأعمدة الملساء سمراء اللون من آثار أمم لامستها عبر التاريخ. رائحة
البخور، العنبر والطيب، سجادة فسيفساء يعجز عن صنعها الحاضر. كلها تكتم أنفاسك لتشير لك لذلك التاريخ
فتقف حائراً... يشدك الوقوف ليمضي بك الزمن دون شعور. تخطو في وسط حشد بخطوة كل حقبة، وتنحني
إجلالا للتاريخ، لتعبر سردابا نحت بالصخر، فتمر بين الشموع وبين ضفائر مجدلة من أشعة الشمس التي تسكبها عبر نوافذ عالية على جدران وأعمدة التاريخ، لتزيده رونقا ولمعانا... تمر حتى تبدأ بنزول درج، كل واحدة تعيدك قرنا إلى التاريخ، حتى تصل بآخرها إلى بدء الميلاد، فتقف بسهوة أمام مهد أملس مضاء ترنو بين جدرانه اصوات عبر السنين...
بعد أن تودع ذلك الزمن الغابر تنظر إلى الجهة الثانية من ساحة التاريخ، لترى هلالا شابا يقبع على رأس مئذنة،
يبتسم ابتسامة عزة وكرامه لأخ له من أرض واحدة، وينظر إليه ليحاول عناقه على أسطح الكنائس، وتجمعها
نجمة واحدة من خمس رؤوس، فتعلم أن بيوت الله واحدة ولكل بيت نغماته. وعندما تبدأ بالمغادرة ترتعش قدميك، خوفا من أن تمحو آثارها.. آثار القدماء على أرضية مرصوفة بالرخام، وتشعر كم تهتز عروش الأنبياء من ظلم الإخوة...
وتتنفس الصعداء عندما تعبر إلى اللون الأسود، لتطأ قدماك زماننا هذا، بعد أن تعبر شاشة الفصل بين التاريخ، تشدك طيبة شعب حافظ على ماضيه بحاضره، فتدخل المغارة بكهوف الماضي، صنع منها الإنسان جو الاسترخاء.. بيت أصوات خرير المياه ودفء باطن الأرض، ورائحة الخشب الرطب بحرارة عالية.. تخرج بعد ساعات بحيوية وأنانية، لتعرف المزيد فتجد خيمة تخفي من ورائها مغارة تستقبلك وجوه باسمه تعلوها
كلمات الترحيب بين الحان موسيقية ناعمة هادئه – يسودها ترانيم صقور الصحراء من الاسلاف وغشاء يفصل السماء عن مقاعد صنعت من خشب ناعم، تنبثق عطور السنين من بين حلولها، غشاء من جلد الابل والنوق، فتجلس لتتمتع بابسط ما صنع الانسان، وتندمج اصوات الاواني باصوات الموسيقى، بين الاضواء الخافقة لتشعرك بروائح الاجداد وبطعمهم فتصحو من غفوتك.

وتعود الى أصلك.. تودع زمن الأجداد، لتخرج من باب في جدار اسمنتي، لتتطل على قدس الاقداس، وتسير وانت تصارع الشمس بمسارها المعاكس، لتمر من تلال موسى ومن مملكة سليمان، وهناك يسوع المسيح والنبي شعيب وصلاح الدين... ولو عرف الأنبياء ماذا سيحل ببيوتهم لدمروها قبل رحيلهم.