"ذاكرة"
إياد مداح - 07\02\2011
كنت طفلا فضوليا لدرجة لا يمكن تصورها، كان بالقرب من بيتنا جدار عال، لا مكان
لاختراقه الا ذلك الفضاء الذي يلتف بخيوط فارغة تصل الى السماء،
وبالطبع
كان توقي شديد لمعرفة ما الذي يختبىء خلفه، لكن، حجمي كان لا يعادل حجرا من أحجاره
المتزاحمة، قلت، حين أكبر، أخطو فوقه، لذا، رحت أراقب ارتفاع قامتي كل يوم ، من
خلال أي مرآة أو بقعة ماء تقع فريسة ناظري ومن ثم أهرع الى جانب الجدار لأقارن
قامتي بارتفاعه ، باختصار سيطر الجدار على حياتي ، وكم كنت أحزن حين أدرك أنه كلما
ازددت طولا كلما رأيته يرتفع أكثر فأكثر، لذا، قررت استخدام عقلي حين خلصت الى أن
جسدي لن يقاوم ذلك المارد، وأن رغبتي بأن أخطو فوقه لن تتحقق، جمعت كل الأخشاب التي
تطالها يدي ورحت أصنع سلما امتد لمسافة تكبرني بست مرات، ما جعلني أدرك أنني الآن
بحاجة لجسدي ثانية، وهذا يستدعي مني أن أسترضيه، لأنني تخليت عنه سابقا دون أن أدرك
كم أنا بحاجة اليه، ولم يخذلني، لكنه بالاقناع جعلني أطلب مساعدة خمسة أجساد أخرى
بحجم ذلك السلم، وكان أن حققت له ما أراد، رفعنا السلم، وكم كنت سعيدا حين رأيت
حافة السلم تعانق أول خيط فضاء ملقى على قمة الجدار، أسرعت بتسلق درجاته وعند كل
درجة كنت أطلق صيحة فرح، نجحت! نجحت! سأرى ما خلف الجدار! مرحى! مرحى! تحقق حلمي!
وعند آخر درجة، أدرت ظهري،نظرت خلسة وببطء لئلا أصاب بذهول لما سأراه من أشياء
رائعة خلفه، ألتفت على مهل لأمتص الصدمة. ومع كل التفاتة ضوئية كانت الأحلام تجتمع
بعقلي محدثة متعة لا تعادلها متعة. وفجأة، رأيت لا شيء، لا شيء خلف الجدار. لا شيء،
اكتشفت أنه جدار تقف عنده الحياة ويستحوذ على العقل، شعرت بالهزيمة والغباء في آن،
ويا لهول الصدمة، شعرت أنني سأسقط، لكن، أدركني جسدي، احتضنني، حملني بصعوبة ونزل
بي درجات السلم الواحدة تلو الأخرى، دون كلمات، الى أن لامست قدمي الأرض.