الجولان وذكريات عن الذكرى
زنابق النيل الزرقاء (اللوتس)... وزنابق الجولان
النائب سعيد نفاع - 13\02\2011
اللوتس عنوان الخلق عند قدماء المصريين حيث تخبرنا أسطورة الخلق المصرية عن نشوء
زنبقة الماء الزرقاء (لوتس النيل)، إذ كان المصريون القدماء يراقبون تفتح أزهار
اللوتس التي تعوم في النيل كل صباح لتغلق تويجاتها بعد كل ظهر يوم يمر ثم تغطس تحت
سطح الماء، والأسطورة تحكي أن:
"في البدء كان السّديم يعم الأرض، والفوضى عارمة، والظلام يلامس وجه الماء، عندها
انبثقت زنبقة ماء من اللّج، وببطء تفتحت تويجاتها ليظهر الإله الطفل جالسا في قلبها،
نفذت رائحتها العطرة لتعشش على الماء، وشعّ نور من جسد الطفل ليبدد الظلام الدامس.
ذاك الطفل هو إله الخلق، منبع كل حياة إله الشمس رع. وفي نهاية كل نهار تغلق زنابق
الماء البدائي تويجاتها، لتسود الفوضى طوال الليل حتى يعود الإله الخالق إلى قلب
زنبقة الماء، ولكي يحمي إله الشمس ضياءه من الانطفاء كان يبقي عينيه مغمضتين يحيط
نفسه متلفعا بزنابق الماء".
طلّ العام 1980 عليكم أيها الجولانيّون حارّا رغم برودة الجولان فبدأ باستيلاء
الاحتلال على أرض وقف قرية مسعدة، وبغيوم الضمّ إلى إسرائيل وبتوقيع 750 ألف
إسرائيلي وثلثي أعضاء الكنيست الإسرائيلي على عريضة تطالب بضم جولانكم وصياغة
اقتراح قانون لذلك وبدء "منح" وفرض الجنسيّة الإسرائيليّة عليكم ولم يكن ذلك بمعزل
عن ما كان يحدث على الساحة المصريّة. وما أن شارف هذا العام على الانتهاء حتى كان
الضم يستكلب والمعركة ضد "الممنوحين" الجنسيّة الإسرائيليّة في أوجها.
وما أن أقبل العام 1981 حتّى بدأ المرجل الجولانيّ ورغم برد الجولان يستعر ومع
إطلالة الربيع أطلّت وثيقتكم الوطنيّة فاستفزّت رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم
بيجن الذي أعلن أنه سيعمل بكل قوته من أجل وقف التحريض الموجه ضد مستلمي الجنسيّة
الإسرائيليّة في الجولان وسيعمل على منع المساس بهم من قبل وكلاء سوريّة
والفلسطينيين، في الجولان. ويتكالب العملاء خلف سيّدهم ويصفون أصحاب الوثيقة
بالعملاء القوميين المتطرفين الذين يجلبون العار لهم ولسكان الجولان. ويُحرق الوكر
المسمى مجلس محلّي مسعدة ويرفع العلم السوريّ في سماء الجولان، ويحتفل الحاكم
العسكري في مدرسة مسعدة الثانويّة بالذكرى ال-33 ل"استقلال" إسرائيل، وفي 1/6/1981
تُعتقل ثلة من المناضلين في الجولان من "المحرضين" على التمرد والعصيان المدني،
عملاء سوريّة.
كنت حينها طالبا جامعيّا في الحقوق وسكرتيرا للجنة المبادرة العربيّة الدرزيّة
ومزودا لصحيفة الاتحاد الحيفاويّة بأخبار الجولان أول بأول، وآخر تقرير كتبته
اقتبست أحد مناضلي الجولان قائلا: "الاحتلال كالكلب السعران عضّ خمسة منّا وسندوس
ذيله ونطلق سراحهم". وأثار هذا التصريح حينها نقاشا عندكم ما زلنا "نتذاكره"
والكثيرون منكم في السهرات الجولانيّة. لم يمض وقت طويل على هذا التقرير حتّى فرضت
سلطات الأمن عليّ الإقامة الجبريّة ومنعتني من دخول الجولان لأني وحسب نص الأمر
العسكري أكوّن على الجولان خطرا أمنيّا، رغم أني لم أكن أكتب الأخبار ولا التقارير
باسمي الشخصيّ، ومنعت سنة كاملة من دخول الجولان فلم يتسن لي الاحتفال وإياكم يوم
النصر.
تابعت صمودكم عن بعد وتابعت استشراء السلطة ضدكم، من إضراب المدارس لفصل المعلمين
الشرفاء واعتقال المزيد من المناضلين وعصيان طلاب المدارس واعتقال بعضهم ورفضكم
الهدن التي اقترحت عليكم.
وأقرت الكنيست مشروع قانون الضم يوم 14/12/1981 وما كان من ذلك إلا أن أشعل النار
في صدوركم وأعلنتم الإضراب الانذاريّ الأول وما أن طلّ العام 1982 حتى جاء أكثر
ثورانا وتابعتم المعركة وعادت السلطات للاعتقال وهذه المرّة باعتقال أربعة من
المناضلين وبدأت معركة "بطاقات الهويّة"..
وجاء في بيانكم الشعبي: " أخوتنا في الكفاح...حاولت إسرائيل منذ سنة إعطاءنا
الهويّات الإسرائيليّة ولكن وقفنا في وجه هذه المحاولة... ووجدنا أنفسنا أمام
خيارين لا أكثر، إمّا الوقوف في سبيل كرامتنا ومبادئنا أو التراجع عنهما وبذلك
اتخذنا قرارنا بالإضراب العام والمفتوح حتّى تتحقق مطالبنا... ولم نتخذ هذا القرار
تعسفا ولا حبّا بالإضراب، بل يجب أن يعلم القاصي والداني أنه لم يكن لدينا أي خيار
سوى الوقوف بصلابة في سبيل كرامتنا الوطنيّة وأخلاقنا الوطنيّة...وليعلم الجميع أن
الأمور وصلت حالة لا عذر لأحد بالوقوف متفرجا أو محايدا... ولا يسمح التاريخ لأحد
بتبرير حياده أو عدائه لنا".
وانتصرت كرامتكم الوطنيّة وأخلاقكم الوطنيّة ورغم الحصار وجوع أطفالكم، وكانت لاحقا
ساحات قراكم وتحديدا أيام ال31 من آذار وحتى ال-3 من نيسان ملأى ببطاقات الهويّة
الإسرائيليّة الممزقة التي أصدرتها السلطات وحاولت توزيعها بدعم قواتها المدججة،
تذروها الرياح وتدوسها أقدامكم وحتى أقدام الجنود الفارين في أزقة مجدل شمس وبقية
القرى.
و"فرفحت" زنابق جبل الشيخ تمجيدا لإرادتكم وها أنتم تحتفلون بالذكرى وقد "فرفحت"
زنابق النيل تمجيدا لإرادة شعب مصر.
فكل عام وزنابق النيل وزنابق الجولان وزنابق الجليل بألف خير.
13/2/2011
النائب سعيد نفّاع