للذين خلعوا موتهم...
حسام عباس - 19\02\2011
عندَ طقسٍ يلبسهُ ضبابُ مواعيد الله،
تقفُ الأمنياتُ عاريةً على رؤوسِ أصابعِها
كي يصلَ زفير صداها سقوف السماوات.
وعند أرضٍ يُصاغُ لها صهيلُ النبوءات الغامضة،
تنتفضُ الأغنياتُ ثائرةً على خصر أوتارها
كي يُسمعَ شهيقُ ماءِ وجها في شوارع إفريقيا...
*****
كحارسِ جُثمانِ الأمل في كتابِ التاريخ،
أحدقُ طويلاً في رمادِ الغيمةِ المثقلةِ بأنين حصادِ الفلاحين
فتحدثني نفسي عن تهدجِ صوت القمح
وعن جثةِ فراشةٍ ترقص في الريف ولا تموت...
فيطفحُ عليَّ ما يشبهُ تراباً للشجر المدفون في حديقةِ لوحةٍ ماطرة
ويطلُّ عليَّ ما يشبهُ كلاماً للخبز المسروق من فمي قصيدةٍ جائعة.
...
...
ثمَّ كغصةِ قلوب الميّتين التي تئن في تراب الأحياء،
يأخذُنني من كَتفي العربي وشاحُ البلادِ الخضراء
فأصرخُ:
"يا من خلفَ رُفات هذا الحطام "
فيجيبُ مذياعُ الصلاةِ في صدري:
أنا تونــــس
أنا تونــــس
أنا تونــــس الخضراء
*****
كبائعِ حليب اليأس في دكانِ الضمير
أرتشفُ رائحةَ نبيذ الشتاء الممزوجِ برذاذِ سُعالِ المنبوذين
فتحدثني نفسي عن تمتمةِ أنوثة الهواء
وعن حبّوِ غبطةِ الطفولة نحو مائدةِ البلادِ الجميلة
فيسيلُ من جبهتي ماء خلية انتماءٍ لا تنام
وتفيقُ من خاصرتي ورقةٌ مسمومةٌ بالهذيان
...
...
ثمَّ كغبارٍ يسبحُ في أعينِ الميتين الصغار
يسرقُني من قُبعتي ماءٌ يمشي في أحشاءِ البلادِ السمراء
فأصرخُ:
"يا من خلفَ رُفاتِ هذا الحُطام"
فيُجيب لصُّ الخيالِ في رأسي:
أنا مِصرُ
أنا مِصرُ
أنا مِصرُ السمراء
*****
لم يكن نثراً
ولم يكن شعراً
كان شيئاً يُجبرك على تفقّدُ أعضائك الداخلية
ليمتحن رغبة النسل الناعسة في حقول المجروحين
...
...
لم يكن شعراً
ولم يكن نثراً
كان شيئاً يشبهُ قبّلةً تخرج من دفاتر الأنبياء المقتولين
قد رُميت فوقَ سطوحِ المقابر المنسية
فصارت رياحاً تخاصرها الأرواحُ العالقةِ عند شقوق التوابيت العربية
لينشج الحلمُ وتصيحُ الأغنيات:
"يا من سيأتي للرقص من خلفِ رفات هذا الحطام"
فيُجيب ماسحُ أحذية الأمنيات في دمي
أنا بلادُ العرب
أنا بلادُ العرب
أنا بلادُ العرب الأحرار...