عبرنة اللغة العربية واستبدالها
عصام محمود - 20\02\2011
من لم يُركِب "مزكان" حتى الآن أو من لم يذهب إلى "كوبات حوليم" هذا الأسبوع أو
فلان أصبح "كبلان رشوم" أو "منهال عبودا" أو فلانه قدمت "تيؤوريا" ونجحت وبقي
أمامها اجتياز "التست" . هذا جزء بسيط من العبارات التي أصبحنا نسمعها ونستعملها في
حياتنا اليومية بصورة تلقائية دون أن نعرف كم من التجاوز والظلم للغتنا العربية
يحدث وكم من النسيان والضرر لعباراتها ولعذوبتها يحصل دون إدراكنا لخطورة ما
نفعل،فالكثير منا تعود على التحدث وإدخال الكلمات العبرية وكأنها جزء لا يمكن أن
تكتمل الجملة ولا تعطي معناها بدونه،فالأمر أصبح أشبه بالاجتياح المنتظم لهذه اللغة
الدخيلة على لغتنا وكأن هذا مخطط مدروس بإتقان لجعلنا ننسى هويتنا العربية من خلال
نسيان اللغة وابتكار لغة أخرى ممزوجة باللغة العبرية لا يفهمها اليهود ولا العرب
على حدٍ سواء.
ومما لا شك فيه أن اللغة العبرية هي لغة القوي ولغة المُسيّطر والمُهيّمن ونحن لا
نستطيع التعامل مع المؤسسات الحكومية أو مع هذه الدولة وشعبها بشكل عام دون أن نتقن
أو نفهم هذه اللغة،ولكن لماذا نستمر في التحدّث بها حتى عندما لا نكون مجبرين على
ذلك أي عندما نتحدّث مع بعضنا ،فقد أوجدنا لغة مضحكة ومثيرة للسخرية ممن يسمعنا
نتحدّث بها، فلا تمر جملة دون أن يدخل فيها كلمة أو أكثر باللغة العبرية.
والسؤال هو هل هناك حل لهذا وهل ثمة طريقة للتحدّث فقط باللغة العربية ،إذا طرحنا
هذا السؤال على الطبيب أو المهندس أو المحامي أو عامل البناء أو المعلم وكذلك على
سائر فئات المجتمع ،ليتخيّل كل منا أنه يتحدّث من دون إدخال المصطلحات العبرية في
حديثه ، برأيي هذا أصبح للأسف الشديد مستحيلاً ونحن بحاجة إلى وقت طويل للاعتياد
على ذلك.
وإذا نظرنا إلى حجم هذه المشكلة نجد أنها ليست فقط مشكلتنا في الجولان بل هي مرض
معدي اكتسبناه من الشعب الفلسطيني وخصوصاً عرب ال- 48 فوضعنا يُعد معقولاً قياساً
مع وضعهم فالمشكلة عندهم هي احتكاكهم اليومي مع اليهود وعدم جاهزية المجتمع المسبقة
لهذا الشئ، فقد استفحلت اللغة العبرية ونالت مكانة لا يمكن تجاهلها في حياتهم
اليومية فقد طالت الكبار والصغار على حدٍ سواء.
وإذا تعمقنا أكثر في الموضوع نجد أن اللغة العربية كانت قد واجهت غزو حضاري وما
زالت تواجهه في الوقت الحاضر في عدة بلدان عربية ،ففي الجزائر والمغرب مثلاً كان
أول شئ قام به الفرنسيون هو تغيير المنهاج والكتب وإدخال اللغة الفرنسية في المدارس
وذلك وصولاً إلى إضعاف الأمة المحتلة عن طريق إضعاف اللغة فيها وهذا على مبدأ إذا
ضاعت اللغة ضاعت الهوية،وحال لبنان وسوريا والأردن ودول الخليج ليس أفضل بكثير، ففي
دول الخليج مثلا أوجدوا لغة مبتكره تسمى "العربيزي" وهي مزيج من اللغة العربية
والانكليزية فيقولون "غرفة مُكندَشة " بدلاً من غرفة مُكيَّفة، وذهبنا إلى "الشوبينج"
بدلاً من التسوّق والأمثلة كثيرة.
والمشكلة تبدأ من البيت فتربية الأولاد وتحصينهم الحضاري من خلال التركيز على
تعلمهم اللغة العربية الفصحة وقراءة الكتب وتعويدهم على استخدام اللغة بشكل صحيح
ودور الأم في تجسيد لغة الأم من شأنه أن يكون حصناً منيعاً في وجه انقراض اللغة
وتهميشها من قبل الدولة المحتلة أو المستعمِرة,وانعدام هذا يجعل الطفل ينشأ بدون
وعي كافي لمواجهة التحديات ويتم جذبه لأي لغة أخرى بسهولة وتغييره والتأثير عليه
بسهولة، مثالاً على ذلك إذا أردنا المقارنة بين كتب اللغة العربية في المدارس من
جهة وبين العبرية والانكليزية من جهة أخرى ، نجد أن الكتب العبرية والانكليزية
تتجدد كل سنتين أو ثلاث سنوات ويضاف إليها الصور ويتم تحسين أسلوبها ونمطها لكي
تثير اهتمام الطالب، بينما لا يحدث أي تغيير على الكتب العربية ويبقى المنهج ذاته
لكي يُحدِث الملل عند الطالب وبالتالي الابتعاد عنه وكره اللغة وصعوبة قواعدها .
بالإضافة إلى دور الأهل في البيت يأتي دور معلم اللغة العربية في المدرسة بتعليم
هذه اللغة بحماس وإخلاص وروح طيّبة ، فله الدور الأساسي لاسترجاع اللغة وجعلها
ممتعة للطالب ومبسّطة بقدر يمكِّن الطالب بدوره من ترسيخها في ذهنه بحيث يصعب على
أي لغة أخرى التأثير عليها ومحوها من ذاكرته.