مشروع اغتيال ثان
مسعود الجولاني - 13\03\2011
كم من يوم غار وانطوى, وتبقى الفراشة عالقة في دوّامة النور,وكم من سنة تطاولت
وأدبرت,وما انفكّت دموع الفجر تقطر ندى على أجساد الورود الغضّة,وكعادتها الأشجار
شامخة بعنفوانها ومثقلة بثمارها,واّلهة السماء كما عهدناها محتجبة متجاهلة رهبة
انتظار لحظة الحسم...وأمّا نحن نتغيّر ونتطوّر,نتبدّل ونتلوّن باحثين عن مرسى اّّمن
على شاطئ العلم والسمو.
في عصر ذلك الفارس الأسمر,حين كان الحصان أعتى المنابر ووقت كان السيف أبلغ
الخطباء,آنذاك برزت قوّة ذلك الخيّال القوي...ولكنّه كان يشبه من حوله.وحتّى أنّ
ذلك الشاعر-مالئ الدنيا وشاغل الناس-تفوّق بشعر فيه من الحكمة والخيال...لكنّ لغته
كان يتكلمها كثيرون ويأنس لها الجميع.
وأمّا ذلك المعلّم المتفرّد الذي نثر فلسفة وخطّ مسلكا خاصا من المحبة والرفعة,كان
توجهه مغايرا لمن حوله وكان نهجه بعكس من عاصره,فهو بحقّ يجسد النور في منطقة رميت
في غياهب الليل.في صغري كنت أظنّه من ضيعتنا وينحدر من صميم قومنا,وعندما كبرت,كثرت
ضيعاتنا وتعاظم ضياع قومنا.قد كان قائدا عنده من الفكر والأدب وبعد النظر ما يجعله
في مركز القرار ويفرضه حامي الديار,وكبر الرجل إلى أن أصبح أكبر من ضيعته
الصغيرة,وتعدّدت كتاباته وتكررت جولاته,ويا لشجاعته في طرح آرائه... كان كبيرا حتّى
في مواجهة أزيز الغدر الذي أجبره على الرحيل القسريّ.
هاجت الأقطار وفجعت الديار لذلك الحدث الأليم,ومضت الأيّام وتتالت عشرات
السنين,فهمت خلالها الشعوب من قادة ومؤرخين وأدباء وفلّاحين,فهموا جميعا عظمة ذلك
الرجل.
وحسبت أنّ ضيعتنا تسير في هذا الركب وتريد أن تخلّد ذلك الرجل بمشهد يجسّد حالته
الإنسانية الجامعة للحضارات,ولكنّني عايشت الكثير من المتناقضات في حيّنا وتعوّدت
على المفاجآت من رجالات الصفّ الأوّل من بيننا,وأخشى أن يقبل يوم الحفل المنتظر
وتزاح الستائر وإذ بمنظر يعرض بقايا رمح ينخره الجهل والصدأ.