تخاطر - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


تخاطر
إياد مداح - 16\03\2011
كنت جالسا فوق سطح بيتنا، تحت السماء الواسعة، التي أشارك فيها أبناء الأسكيمو والخليج العربي وأمريكا وأي مكان تريدون، سطح بيتنا صغير، بقعة صغيرة تحت فسحة لا تنتهي، كم هي واسعة السماء، وكم ضيق سطح بيتنا، لكنني سعيد. في ذلك المساء قررت أن أجعل كلامي أرصفة أتمشى عليها مع أي عابر خيال، فمساء الخير...

الساعة الآن العاشرة مساء، كنت لا أزال أغازل السماء وفجأة...

تراخ!!!

صوت قادم من مكان بعيد، بعيد بمعنى ارتفاع الصوت الى أذني، فسطح بيتنا يرتفع عشرات الأمتار ويكاد يطال كوابل الكهرباء المعلقة والتي تربط البيوت ببعضها لتتصل جميعها بعامود لا زال واقفا أمام شباك بيتي منذ سنين، ويبدو أنه سيبقى الى ما بعد موتي.
اجتهدت قليلا، تركت مقعدي وتقدمت من حافة السطح نظرت للأسفل، وكما قلت، كانت الساعة تمام العاشرة، عرفت مصدر الصوت، بالطبع ذلك لم يكن سهلا، فالمشهد كان مركبا وكثير التفاصيل، في البداية رأيت دراجة هوائية عجلتيها لا زالتا تدوران غير آبهيتن بالطاقة التي تذهب سدى دون استغلال، كأشياء كثيرة، المهم غير تلك الدراجة كانت هناك فردتي حذاء، واحدة على الرصيف الأيمن والأخرى على شجرة السرو المقابلة لبيتنا، وفقط كمعلومة، تلك السروة واحدة من عشرات الأشجار التي كانت تزين حارتنا وهي الوحيدة التي لا تزال باقية بينما الأشجار الأخرى صارت رمادا استوطن المزابل، المهم، آخر عنصر كان في المشهد هو ولد متمدد فوق سيارتي، طفل يبدو في العقد الأول من العمر، في الساعة العاشرة ليلا، يركب دراجة هوائية دون مصابيح، يسابق الريح، أين يا ترى كان والداه؟ هذا أول سؤال تبادر الى ذهني، وحقيقة لم يهتز لي جفن، ذاك الطفل صار بالنسبة لي مجرد ورقة بحث فقط. طفل في العقد الأول من العمر، وحده في ساعة متأخرة من الليل، ألا يفترض أن يكون نائما في مثل هذا الوقت؟ أو يستمع لقصة يقرأها له والده أو والدته، قبل أن ينام؟ تلك اللحظات، من ترديد أسئلتي الجوفاء، كانت كافية ليلملم ذلك الطفل شتاته ويهرب بنفس السرعة التي كانت تدور بها عجلتي الدراجة.

خطر لي أن الأطفال دائما يبحثون عن مكان ليس فيه كبار وفي الليل... ينام الكبار ويستيقظ الأطفال... ويعج الرصيف بهم ويملأونه ضجيجا ومرحا ومشاكسة وطفولة وأعقاب سجائر ومخدرات ومناوشات وألف ألف احتمال منها الجيد ومنها السيء لكن، متى يضبطون ساعاتهم المنبهة؟ متى ينامون؟ متى يستيقظون؟ متى يقرأون؟ متى يلعبون؟

يفترض أن أفكر بتفاؤل وأنظر للنصف الممتلىء من الكأس لا للنصف الفارغ، أساسا النصف الذي يفترض أنه فارغ، فارغ مماذا؟ لم تقنعني يوما هذه الفكرة الغبية عن الفراغ، ذاك الفراغ مملوء بالهواء، والهواء ليس شيئا بلا قيمة، الهواء والماء سيان لا يكاد أحدهما يفترق عن الآخر. اذا، الفراغ ليس موجودا الا في رؤوسنا لذا، علينا أن ننظر للكأس كوحدة واحدة مكتملة.

كل ثرثرتي تلك جاءت بلا مناسبة، حالة من التضخيم الأرعن وحسب، وكل ذلك المشهد أنا ابتكرته، دون مساعدة من أحد، وأقصد الطفل والدراجة وحتى جلوسي على السطح، ولكن ذلك لم يكن لمجرد الاستعراض بل أردت أن أشير الى أمر يحتاج أن ننظر اليه بوعي أكثر، أولئك الأطفال الموزعين، كالاعلانات الغبية، على الأرصفة هم من يفترض أن يكونوا غدا عماد هذا المجتمع حين نصبح نحن مجرد أسماء عبرت، من المسؤول عن كل هذا، من جعل الطفولة لعبة قمار، من الذي يسمح له ضميره بأن يترك ابنه تائها هكذا في هذه الليالي المعتمة يا للعجب!