الأزمة الاقتصادية في الجولان، هل هناك مخرج؟
جولاني – 08\04\2011
من يوم ليوم تشتد وطأة الأزمة الاقتصادية في الجولان وتتوسع حلقتاتها لتشمل جميع
فئات المجتمع، مع تفاوت في حجم تأثر القطاعات المختلفة تبعاً لمصادر دخلها.
إن تحليل الوضع الاقتصادي بشكل عميق وإعطاء نصائح وحلول للخروج من هذه الأزمة يتطلب
أكثر من تقرير كهذا الذي نعده، لكنه من الضروري تسليط الضوء على هذا الوضع، ربما في
محاولة لإثارة القضية علّ ذلك يحرك حواراً للبحث عن إيجاد حلول مبتكرة.
لا يختلف الناس على أننا نمر بأزمة اقتصادية لم نشهدها من قبل. السيد سامر أبو صالح
يدير مكتب سياحة وسفر، يقول:
"نحن كمكاتب سياحة نعتبر مقياساً للحالة الاقتصادية في البلد ونتأثر قبل غيرنا بهذه
الحالة، لأن السياحة عبارة عن رفاهية وليست أمراً أساسياً في الحياة. في القترة
الأخيرة انخفض الطلب على خدماتنا بصورة كبيرة، وهذا يدل على قلة السيولة النقدية في
أيدي الناس. أسمع من أصحاب المصالح أن لديهم نقص كبير في السيولة وهم غير قادرين
على تغطية نفقات تعتبر أساسية في حياتهم".
أما السيد زيد عويدات فهو صاحب بقالة في مركز البلدة، فهو يؤكد أن هذه الحالة هي
حالة عامة، وأن جميع زملائه من أصحاب البقالات والمحال التجارية يشكون من انخفاض
حاد في المبيعات يستمر منذ أشهر:
"الوضع المالي مع الناس صعب هذه الأيام من عدة نواح، فالتزامات الناس في مصروفاتتها
الشخصية تزداد يوماً بعد يوم، وهذا يؤثر على مشترياتهم اليومية من المحال التجارية.
هناك هبوط حاد في مشتريات الناس بنسبة تتراوح بين 30 – 50% في الأشهر الأخيرة، وهذا
يدل على عدم استقرار الوضع المالي في كل هضبة الجولان، وجميع زملائي يشكون من هذه
الأزمة، والواضح أنه ليس لدى الناس دخل يمكنهم من الوفاء بالتزاماتهم، وهذا ما زاد
تراكم الديون المترتبة على الزبائن لدينا، والأمور تتراكم فوق بعضها ما يؤدي إلى
هبوط في المشتريات".
وفي غياب جهة مختصة تأخذ على عاتقها بحث جذور الأزمة، فإن المواطن العادي الذي يشعر
بضغطها على حياته اليومية، يجد لها تفسيرات من عنده، ربما تكون صحيحة أو فيها شيء
من الصحة.
السيد صقر أبو صالح صاحب مكتبة يعلل أسباب الأزمة أولاً بالبطالة وعدم تمكن الناس
من أيجاد عمل، وثانياً بسبب ما سماه بـ "اليد الغريبة" التي تأتي إلى المنطقة
فتزاحم أصحاب المصالح المحليين على لقمة عيشهم وتخرج المال خارجها:
"برأيي أن الوضع الاقتصادي سيء جداً لدينا في المنطقة، ولا أجد سببا إلا البطالة
المنتشرة وعدم وجود عمل يؤمن لقمة العيش للناس. هناك العديد من المصالح والمحال
التجارية التي أعلقت أبوابها بسبب الوضع الرديء الذي نعاني منه، هذا بالإضافة إلى
الأيدي الغريبة التي تأتي إلينا فتبيع البضائع في الحارات، والمحال التجارية التي
عندنا لا تجد لها عمل. يأتي أشخاص من خارج البلد بسياراتهم، يسوّقون الخضروات
والبضائع وليس هناك من يوقفهم عند حدهم ويقول أن هناك مصالح في البلد، ويجب أن يكون
انتاجنا لأولاد بلدنا ولنا".
وفي محاولة منا لإيجاد تفسير للأزمة من لسان خبير، توجهنا إلى السيد أسامة العجمي،
الذي أكد أن المنطقة تمر في ظرف اقتصادي حرج، وأنه لا يستغرب ذلك، لأن الظروف
الموضوعية التي نعيشها تحمل في داخلها إشكالية كان لا بد لها أن تظهر عاجلاً أم
آجلاً. ويعتقد السيد أسامة أن السبب الأساسي للأزمة الاقتصادية يفرضه علينا وضعنا
السياسي الذي يحرمنا من "الوظيفة" التي تؤمنها الدولة والمؤسسات العامة والمؤسسات
الاقتصادية الكبيرة. ففي الحالة الطبيعية يعمل بين 80-85% من الناس في وظائف فيما
يقيم الباقي وهم بين 15-20% مصالح خاصة لهم، بينما في حالتنا فالأمر مقلوب، حيث
أكثر من 85% من الناس يفتحون مصالح خاصة بهم. هذا الأمر أدى إلى كثرة المصالح بصورة
غير معقولة، فترى في مجتمعنا العديد من المصالح أو المحال التجارية التي تقدم نفس
الخدمة أو تبيع نفس المنتج، وهم يتنافسون على عدد محدود من المستهلكين لا يمكن له
أن يزيد، وهذا طبعاً يخلق أزمة تعاني منها جميع المصالح.
الحلول الممكنة في مثل حالتنا منها ما هو خارجي ومنها ما هو داخلي. الحلول الخارجية
تأتي من مؤسسات تدعم الاقتصاد، والمخرج الأمثل بالنسبة لنا هو التوجه إلى قطاع
السياحة. بالنسبة للقطاع الخاص فإنه من الصعب أن يقوم بمشاريع سياحية كبيرة ليجذب
السياحة بكميات كبيرة، على الرغم من تحرك كبير في هذا المجال في الفترة الأخيرة،
وهنا لا بد من تدخل خارجي من جهات لها هذه القدرة. الحل الداخلي يكمن في الانفاق،
فكمية انفاق أهل المنطقة داخل المنطقة تتضائل مع الوقت، وهذا يعني أن النقود تخرج
خارج المنطقة، وهذا سبب مهم جداً للأزمة الاقتصادية. وأقول أنه بدون أيجاد حلول
جذرية فإن الأزمة ستزداد حدة، إلا إذا كان هناك تدخل خارجي".
ومهما تعددت التحليلات والآراء، فإن معظم أصحاب الشأن والعارفين في شؤون الاقتصاد
يؤكدن على أسباب أساسية لما نحن عليه، أهما لجوء الناس إلى فتح مصالح خاصة أصبح
عددها يفوق قدرة المنطقة على التحمل. فمن كل نوع نجد عشرات المصالح التي تزاحم
بعضها بعضاً، وهو أمر لا يحمله المنطق كما لا يحمله الاقتصاد. وبدل أن تدر المصلحة
الربح على صاحبها فإنها تصبح عبئا عليه، وبالتالي عبئا على المجتمع الذي أصبح يتآكل
من داخله، دون أي مصدر للأموال يأتي من الخارج ليغذيه، والمفروض أن يأتي إما من
العمل خارج المنطقة، أو من بيع الخدمات أو أي منتجات لخارج المنطقة والحصول مقابلها
على الأموال.