خطيئه
أم حب؟
شهرزاد الكلمة - (اسم مستعار. الاسم الحقيقي محفوظ لدى الموقع)
08\04\2011
خرجت من شقته إلى الشارع بسرعة، ألملم شظايا كبريائي المهزوز كأحجية من عده أشلاء.
تنفست كل الهواء المحيط برئتي، وحاولت مشحونة أن أزفر كل الغضب والاستنكار. أطلقت
العنان لروحي بعد مشوار طويل.. قصير.. في زقاق شارع، بعد المغيب بحين، وارتميت
بهامتي الهزيلة على مقعد رصيف اتخذ الشارع له أنيسا منذ عقود. وكان المقعد الخشبي
الرث يعكس أضواء السيارات وميضاً شاحباً على شكلي المبعثر.. المرتب.. بآن. وكانت
أجراس الكنائس تقرع بصخب، كأنها تقرع من أجلي فقط.. تستفزني... كيف بحق السماء يسمع
قرع أجراس الكنائس ومع هذا يستمر بملامسة ثنايا جسدي، مدنساً إياه بالخطيئة؟! كيف
للإله والشيطان أن يتجسدا في غرفة واحدة؟!.. الإله يحمل جرسا مكشراً عبوساً،
والشيطان جرساً مبتسماً ابتسامة خبيثة، يعري كل الحب الجميل كاشفاً الشهوة الملعونة...
وشعرت أن الدنيا كلها تتضامن معي حين صفعت وجنتيه المحمرة بغلِ، وبخدر يشل إرادتي،
حينما اعتصرني ثانية غير آبه، يستقي شفاهي ظمأ سنين، ككوب ماءِ بارد.. سخن.. مقطر..
حتى الإله والشيطان اختشيا في هذه اللحظة ورحلا. دفعته عني كأنني ادفع حمل دَيْن
ثقيل، وشعرت بالازدراء.. أم أني مثلت الازدراء من هذا التصرف الوقح اللذيذ؟؟؟ ألم
يكن القلب يخفق كخلاط فواكه كهربائي، يذوب كمكعبات الجليد على جسد يشتعل رغبة؟ ألم
يكن توسلكِ يخترق قميصه ومعطفه، لا لكي يتوقف بل ليستمر؟؟؟ لما كل هذا الغضب؟؟؟
أتكرهين قلبك وعقلك لتماديهم بالتفكير بما هو ممتع ومحرم؟؟؟
نعم، الشهوة حرام.. الرغبة حرام... الشهوة تقتل الحب العفيف، تطعنه بالصميم. لا بل
الشهوة تغذي الحب كالجنين في رحم أمه.. تقويه، لا بل تضعفه.. تنصفه، لا بل تكسره...
ايتها الشهوانية الحمقاء إن الرغبة "تفصفص" الحب كحفنة من بذور دوار الشمس المالحة،
وتبصقه على كورنيش التوبة والندم المهين المهيمن، لا بل تغلفه بعطر الورد المبتل
عرقا، حين يتوحد مجمعان كبيران للمشاعر في جسد واحد.
أيتها الأنا في داخلي اصمتي.. بالله عليك اصمتي.. وكفي عن الهذيان... إن الشهوة
حرام، إن الرغبة حرام،
وفكرت وأنا جالسة على المقعد الخشبي القديم، في زحمة الأيام والمساء معا: هل أصبت
بالانفصام؟
دفعت يدي في جيبي لأدفئها، والأخرى افترست أظافرها كحيوان جائع... فتحسست بداخل
جيبي علبة مستطيلة الشكل، اخرجتها وإذ بها علبة سجائر. "أيتها الغبية، يبدو أنك
أخذت علبة السجائر من على مائدته بدلا من هاتفك الجوال"... أووف!!! ماذا سأفعل
بعلبة سجائر ها هنا الآن، وأنا في عتمة الليل أتسامر ومقعد خشبي قديم؟
فتحت علبة السجائر وكانت الولاعة مستنفرة برتابة داخل العلبة، كأنها جندي يحرس
لفافات التبغ ويجسنها.
أخذت سيجارة وهممت بإشعالها، وإذ بالأنا بداخلي توقفني: "هل ستدخنين أيتها المجنونة؟
أنت لم تدخني قط في حياتك... هل ستلوثين مذاق شفاهه الحلو الحريف وتسممين ثغرك"؟؟؟
لا بل سأمتص كل إحساس الخزي من داخلي، وأنفخه رويداً رويداً على مراحل، كقطار أيام
سريع.. بطيء.. لتتلاشى الخطيئة كما يتلاشى غيم لفافة التبغ في سواد ليل عقيم.
وبينما أنا في صراع مع الأنا في داخلي، سمعت لهاثا وصوت خطا أقدام سريع كالركض..
استرقت النظر بسرعة، خائفة مذعورة، وفكرت في أقل من أجزاء الثانية: ماذا إذا كان
سارقاً او مغتصباً؟؟ يا رب السموات والأرض ساعدني. لن أكرر التفكير الدنيء مجدداً.
سأتوب إليك.. سأتوب إليك. أغمضت عيني وغفلت لوهلهة منتظرة المصير المر، وإذ بالخطى
تتوقف واللهاث يستمر. فتحت عيني بسرعة لأواجه ما في انتظاري.. وإذ به حبيب فؤادي..
آه.. عفوا!! بل مدنس طهارتي.. صديقي وعدوي.. نظر إلي بشغف عمر كامل وقال: "هل اخفتك؟
آسف". لقد نسيت هاتفك المحمول لدي، وأشعر بأني ابحث عنك منذ دهر. ثم جلس بجانبي
يلتقط أنفاسه.
رمقته بنظرة سخط وعتاب، تختصر كل التعابير والمفردات..فقال: "حبيبتي.. سامحيني..
أحبك".
ويتبع...