وجهة نظر حول «الأزمة الاقتصادية» - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

وجهة نظر حول «الأزمة الاقتصادية»
نبيه عويدات – 11\04\2011
كنت قد حاولت في تقرير سابق، أعددته الأسبوع الماضي، إلقاء بعض الضوء على «الأزمة الاقتصادية» في الجولان. وقد لاقى التقرير ردود فعل كبيرة لم أكن أتوقعها، كان منها من أيد ما جاء فيه، ومن شكك به، وأخرون نفوا أن تكون هناك أزمة اقتصاية نهائياً.

كان هناك من عاب على التقرير طرح الموضوع من زاوية أصحاب المصالح وعدم أخذ آراء العمال والموظفين والناس العاديين. وهنا أريد أن أوضح أنني توجهت للعديد من العمال والموظفين لأخذ آرائهم حول الأزمة، لكن للأسف لم يرغب جميع الذين توجهت إليهم بالحديث إلى الكاميرا، ولكن معظمهم أكد لي أنه يعيش أزمة اقتصادية وأن معاشه لا يكفيه لآخر الشهر، وأنه غارق في القروض البنكية، والخ... وهنا أريد أن أوضح بعض الأمور، وأهمها أن هذه الشريحة من الناس هي أكثر من يعاني من ضيق العيش، ذلك أن متوسط ما يتقاضاه العمال والموظفون في الجولان يتراوح بين 5-6 آلاف شيكل شهرياً، في أحسن الأحول، وهناك من يتقاضى أقل من ذلك بكثير. وحسب اللجنة المركزية للإحصاء فإن الدخل المتوسط للفرد يبلغ 8700 ش، وتحتاج العائلة المكونة من 4 أفراد (والدان وابنان) إلى 9000 شيكل شهريا للعيش بمستوى مقبول. ومن هنا فإن جميع العمال والموظفين يعيشون في أزمة اقتصادية، وعلى هذا لا أجادل، إلا إذا كان الرجل والمرأة في العائلة يعملان فهذا كلام آخر.

ومن هنا أنتقل إلى الفرضية التي تقول أنه في مجتمع مثل مجتمعنا يفتقد إلى التوظيف في مؤسسات الدولة والمؤسسات الاقتصادية والشركات الكبيرة، ويعيش في عزلة جغرافية وسياسية واقتصادية، فإن الناس
يعتاشون في الأساس من المصالح الخاصة، والتي تشكل الثقل الأساسي للاقتصاد. فالإحصائية التقريبية التي قمت بها في الأيام الأخيرة، بينت أنه في مجدل شمس لوحدها هناك قرابة 500 مصلحة (بين دكان ومكتب ومطعم وكافيتيريا ومنجرة والخ..) وهذا عدد هائل يثبت بالفعل أن المصالح تشكل عصب الاقتصاد لدينا. وإذا كان هذا هو الحال فلدي وجهة نظر تقول أن أحد أهم أسباب هذه الأزمة هو كثرة المصالح والتي باتت تتنافس فيما بينها على عدد صغير من المستهلكين لا يتجاوز العشرين ألف شخص، وهذا ما يجعل من المستحيل أن تتمكن هذه المصالح من العمل بصورة طبيعية والحصول على أرباح معقولة بسبب قلة البيع الناتجة عن قلة الزبائن. وهذا ما يؤدي بها إلى رفع الأسعار لزيادة الأرباح، ليس طمعاً وجشعاً، بل لكي تتمكن من تغطية النفقات والمصاريف والحصول على دخل بالحد الأدنى. هذا ناهيك عن صغر دورتها المالية ما يجعل عملية التسوق لديها صعبة ويحرمها من الحصول على أسعار جيدة، لأنها تشتري بكميات صغيرة، فتبيع بأسعار عالية وليس بالضرورة أن يكون الربح كبيراً. ومن هنا فإن هذه المصالح لا تستطيع أن تنافس شبكات المتاجر الكبيرة التي تشتري بكميات هائلة فتحصل على أسعار مريحة تمكنها من البيع بأسعار رخيصة بالمقارنة مع المحلات الصغيرة. وهذه المشكلة لا تقتصر على الجولان، ففي جميع دول العالم قضت المراكز التجارية العملاقة (المولات، الكنيونات) على المحال التجارية الصغيرة بسبب عجز هذه المحال عن منافستها للأسباب آنفة الذكر.

ولتوضيح ما أقوله، فإنني قمت بإحصائية خلال اليومين الماضيين حول عدد المصالح في مجدل شمس، واعتبرت أن ذلك ينطبق على جميع القرى في الجولان لتعذر إمكانية القيام بذلك الإحصاء بسبب عدم معرفتي للمصالح هناك. الإحصائية ليست دقيقة 100%، ولكنها بالتأكيد قريبة من الواقع، فقد قمت بعد المصالح المنتشرة على الشوارع الرئيسية في البلدة والواضحة للعيان، فالأرقام التي سأوردها في الجدول اللاحق هي صحيحة في الحد الأدنى، أي أنه يمكن أن يكون عدد المصالح أكثر من ذلك، ولكنه بالتأكيد ليس أقل من هذا العدد.

جدول يبين عينة من عدد المصالح في مجدل شمس

ترقيم نوع المصلحة العدد
1 بقالة 40
2 محل ألبسة 38
3 صالون تجميل 23
4 مكتب هندسة 20
5 منجرة 20
6 ملحمة 18
7 ورود وهدايا 13
8 مكتب إدارة حسابات 12
9 عيادة أسنان 12
10 خياط ستائر 12
11 مطعم 11
12 صراف 11
13 مكتب محاماة 10
14 حلاق 10
15 كافيتيريا 9
16 حداد 8
17 متجر أجهزة كمبيوتر 7
18 كراج صيانة سيارات 7
19 كشك لبيع المشروبات والنقارش 7
20 فنادق وغرف سياحية 7
21 مكتب سياحة 6
22 مغسلة سيارات 6
23 ألعاب وألبسة للأطفال 6
24 تمديدات صحية 5
25 مكتبة 4
26 متجر أدوات كهربائية 4
27 كهربائي سيارات 4
28 مبيدات زراعية 4
29 متجر موبيليا 4
30 مواد بناء 4
31 مكتب تأمينات 4
32 مختبر أسنان 4
33 صيدلية 3
34 كليات تعليم 3
35 محطة وقود 3
36 تجارة سيارات 3
37 بنشرجي 3
38 مخبز 3
39 مشتل 3
40 سنوكر 3
41 نظاراتي 2
.. ... ..

ومن خلال النظر إلى هذا الجدول يصبح واضحاً أنه لا مجال لهذا الكم من المصالح أن يعيش، فهذا ليس منطقياً. فهذه المصالح تخدم السوق المحلية فقط، يعني أقل من 9000 نسمة هم عدد سكان مجدل شمس، وبالمتوسط فإن عدد المصالح بالنسبة لعدد السكان أعلى بكثير من المتوسط في أي مكان، وهنا تكمن معضلة الأسعار لدى هذه المصالح، لأنها تبيع قليلاً، فهي إذاً مجبرة على رفع السعر، وهي بالأساس لا تستطيع التسوق بأسعار جيدة بسبب قلة مبيعاتها...
وعلى سبيل المثال فإن صيدلية واحدة تكفي
لـ 10 آلاف نسمة حسب الإحصائية العامة، بينما لدينا 3 صيدليات.

- يكفي طبيب أسنان لكل 1000 شخص، بينما لدينا طبيب أسنان لكل 200 شخص.

- لدينا 40 بقالة، يعني بقالة لكل 40 بيت.. كم ستبيع هذه البقالة؟! كل بيت لديه بقالة فمن سيشتري؟!

- لدينا 38 محل لبيع الألبسة، يعني محل ألبسة لكل 236 شخص، هل هذا معقول؟!

- لدينا 20 مكتب هندسة، فكم بيتاً يبنى في البلدة كل عام؟ كم مخططاً سينفذ كل مكتب منها؟

- لدينا 9 محال لبيع الورود!! كم وردة يباع في مجدل شمس يومياً؟

للأسف الشديد عندما نقدم على فتح مصلحة فإننا لا نفحص الجدوى الاقتصادية من إقامة هذه المصلحة، وهذا أمر في غاية الخطورة.

وهكذا، ومع أن الأمر ليس بهذه البساطة، فإني أعتقد أن كثرة المصالح بهذا الشكل العشوائي، هي أحد أهم الأسباب في الأزمة الاقتصادية التي نعيشها اليوم. والحل هو أنه إذا كانت مصلحتك لا تدر عليك مبلغاً يزيد عن 9000 آلاف شيكل، هو متوسط الأجور، فأنت تعمل بخسارة، وعليك إغلاقها والخروج إلى العمل بأسرع وقت وقبل أن تغرق في الديون والضرائب، كما هي حال معظم أصحاب المصالح في منطقتنا اليوم.

لا أريد أن يفسر كلامي هذا دفاعاً عن أصحاب المصالح، لأن هذا ليس هدفي، بل هي وجهة نظر ومحاولة لفهم أسباب الأزمة، عل ذلك يساهم في تحسين الأوضاع، فأصحاب المصالح في نهاية المطاف هم شريحة واسعة من هذا المجتمع، ووضعهم المالي يؤثر عليه بصورة مباشرة.

إن تحسين الأوضاع ليس واجب أصحاب المصالح فقط، وإنما جميع المواطنين. فكلنا يعرف أن أصحاب المصالح مطموع بهم من قبل المواطنين، وهم يعانون من مشكلة تراكم الديون على المواطنين (الدّين) فلا يمكن لنا أن نشتري بالدين من صاحب المصلحة هنا ونشتري نقداً من مكان آخر ثم نقارن بالأسعار، فالدّين هو مركب آخر من أسباب غلاء الأسعار لدينا.

وفي الختام أريد أن أطرح فكرة ربما قد تساعد في تحسين الوضع
: طالما بقي عدد المصالح بهذه الكثرة، فإني أقترح على أصحاب المصالح، تشكيل غرفة تجارية، أو شيئا من هذا القبيل، وأن يقوموا بتنفيذ عمليات الشراء بصورة مركزة، فهذا سيجعلهم قادرين على الحصول على أسعار جيدة، وبالتالي يجعلهم قادرين على البيع بأسعار تنافسية، وربما هذا سيعيد ثقة المستهلك المحلي بهم..