أولادنا بين الفراغ والضياع
عصام محمود - 12\04\2011
شيء يبعث الحيرة عندما تنتقل هذه الأيام من مكان إلى آخر في البلدة ،تندهش لرؤية
مجموعات من أطفالنا وشبابنا ينتشرون على جوانب الطرقات وأحياناً في منتصفها في فوضى
عارمة سواء في الساعات المبكرة من المساء أو في ساعاته المتأخرة ، وتتساءل عن سبب
وجودهم في الطرقات وليس في البيوت أو في أندية خاصة أو في مكتبات عامة وسائر وسائل
الترفيه التي من شأنها أن تكون البديل لهذا الضياع وهذه الفوضى التي لا تأتي بنتيجة
إيجابية بل العكس تماماً ، فإنها تأتي على ما تبقى من هذا الجيل من القيم والأخلاق
ومفاهيم الحياة المعاصرة ، فدوامة الفراغ هذه تثير الفوضى وعدم انتظام برنامج
أولادنا وبالتالي القضاء على أهدافهم وتهميش الدور الذي يجب أن تأخذه المدرسة في
حياتهم وكذلك إعاقة دور تربية الأهل لهم وتعليمهم قيمة الحياة وكيفية الاستفادة من
الوقت وتكريسه لرسم مبادئهم وصياغة أهدافهم المستقبلية .
من منا يعرف كم من الأخطاء يرتكبها أولادنا يومياً وكم من المخاطر تحيط بهم من دون
أن يحذرهم أحد منها، وهل سترافقهم هذه الأخطاء في رحلتهم المستقبلية أم سيتجاوزها
بعضهم ويقع البعض الآخر في أخطاء أكبر منها من مبدأ "من شب على شيء شابَ عليه" ،
وكيف نعالج أخطاء أولادنا إذا كنّا لا نعلم بوجودها أصلاً فقد أخذنا قرارنا بالوقوف
موقف الحياد تاركين الفرصة للوسائل البديلة لحل مشاكلهم وما أكثر هذه الوسائل في
هذه الأيام.
فإذا كان أولادنا من النوع الذي يفضل البقاء في البيت ، يقنع البعض بأن هذا أفضل من
خروجهم إلى الشارع وقضاء وقتهم بعيداً عن ناظرنا، ولكننا ننسى دور الحاسوب في البيت
حيث أنه يوفر عليهم عناء الخروج من البيت وممارسة النشاطات المفيدة وبذلك يقضي على
فرصة انفتاحهم على الحياة الاجتماعية وإشغال وقت الفراغ بأشياء مفيدة ويترك الميدان
لقتل وقتهم في اللعب الذي لا يأتي بنتيجة إيجابية ، وفي تعرضهم لمخاطر الشبكات
الاجتماعية وهم ليسوا على قدرٍ كافٍ من الوعي والمسؤولية لما يفعلونه ويشاهدونه .
وإذا كان أولادنا من محبي الخروج من البيت فنسعد لكونهم اختاروا عدم التقوقع في
البيت والاختباء خلف جدرانه ، ظناً منا أن هذا سيعلمهم الحياة الاجتماعية ويصقل
شخصيّتهم الغضة البريئة غير آخذين بعين الاعتبار تأثير الشارع وأصحاب السوء على
سلوكهم وعلى صفحتهم البيضاء.فقد يخضع الطفل أو الشاب لنظام المجموعة الذي يفرض عليه
التصرف بموجبه حتى وإن لم يكن مقتنعاً بأنه يفعل الصواب ، وهكذا يجد نفسه في حيرة
من أمره ، هل يترك المجموعة ويتمرّد على قوانينها وبالتالي يخسر أصدقاءه
ويتعرض لعقاب المقاطعة من قِبلهم،أم يمضي في طريق الخطأ والغموض والخوف من عواقبه.
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نجد المخرج لهذه الحيرة وكيف نضمن لأولادنا أن لا
يكونوا عرضةً لهذا كله ، فإيجاد الحل الوسط أشبه بالمشي على الحبل وغلطة واحدة
كفيلة بالسقوط ، خاصة وأننا أفرطنا بتدليل أولادنا ووفرنا لهم كل الوسائل وذلك
بدافع حبنا لهم ، فنحن نتحمل وقاحتهم ونعتبرها حرية في التعبير عن الرأي ولا نلتفت
لقلة أدبهم وكأنها طريقة مشروعة في التحدّث ، والبعض يخافون حتى من النقاش معهم
لتفادي عصبيتهم وضجرهم والمحافظة على هدوء الجو العائلي.
فهل نكتفي بإلقاء اللوم على هذا الجيل أم نتحمل نحن الأهل مسؤولية أخطائنا وإخفاقنا
في تربية أولادنا ؟ هل نبادر بإعطائهم الحرية الواعية ونراقب كل تصرفاتهم ونقدم لهم
الدعم الكامل والمساندة التي لا تعرف الحدود ؟ أم نستمر بالتراخي ومنحهم الدلال
المفرط ونترك الميدان للفراغ الذي لن يوصلهم إلا للضياع.