مثقلة بالهموم
حنين - (اسم مستعار) – 12\04\2011
كنت انتظره.. كان ينتابني إحساس غريب أني اليوم سوف أراه، وعيناي بقيت متربصة تنتظر
قدوم ضوء سيارته. ارتجف قلبي من شدة الخفقان من لحظة وصوله إلى أن دخل البيت، وهو
ينظر خلسة مبتسماً
تلك الابتسامة الساحرة، التي تذيبني بطيات ثيابي من شدة خجلي. وقد كنت أنتظر
وبحرارة الشوق أن يفاتح أخي بطلب يدي منه. أنتظر تلك الكلمة بشوق.. أن يبدأ بالحديث..
أحسب الوقت مرّ بالساعات لا بالدقائق، وهو يختلس النظر ليراني مرتبكة، لا أعرف ماذا
أفعل، وهو مبتسم واثق من نفسه، وأنا التي أحسب نفسي إنسانة قوية جداً، لكنّ أفكاري
تتضارب في داخلي، وفي بعض الأحيان حسبت أنه سوف يغمى عليّ من شدة الانتظار.
وبعد نصف ساعة من الحيرة بين أن يتم القبول أو لا، خرج من تلك الغرفة مبتسماً،
عيناه تلمعان وتشعان بالأمل.
تساورني الشكوك هل هو لطف أم أمل، لا أعرف! بعد ثوان من الخروج، وقد مر الوقت كأنه
دهر وأنا أنتظر، فقد ضحك وهز برأسه، وقال بهمس: أحبك. ففهمت أنه تم القبول. في تلك
اللحظة أحسست بأني قد ملكت الدنيا كلها. فقال كفاك خوفاً، ها نحن أخيراً مع بعضنا.
من شدة فرحتي ضممته إلى قلبي بشدة. شممت رائحة عطره. سمعت دقات قلبه المتسارعة.
أحسست بأنفاسه على جبيني وقد قلبت كياني فأصابتني القشعريرة. تمنيت أن أبقى
بين ذراعيه. لا أريد الابتعاد عنه أبداً، فقد كان حنوناً جداً، دافئاً، لطيفاً، خالٍ
من العيوب، ملاكاً لا تشوبه شائبة.
انتظرت موعد الزواج بفارغ الصبر، حتى يجمعنا بيت واحد. وبعد عدة أشهر تم النصيب
وتزوجنا. عشت أجمل أيام حياتي، فقد كان حنوناً، صادقاً، كريماً، يحترمني ويقدرني.
ومن الله عينا فرزقنا بطفل جميل، كنت أنظر إليه وابتسم، وهو يلاعبه ويقص له القصص،
ويطربه بشذا صوته وكأنه يعرف أنه راحل قريباً إلى مكان بعيد.. فقد اختاره القدر من
بين كل البشر أن يرحل شاباً، مخلفاً وراءه امرأة في العشرين وطفلاً صغيراً، يبحث
بين الأشخاص الجالسين في البيت عن وجههٍ تعود أن يقصّ له القصص، لكن عبثاً.. لا
يوجد أحد... ينظر إلى أمه المثقلة بالألم والهم وهي لا تعرف الإجابة على أسئلة
طفلها: أمي أين أبي ولماذا كل هؤلاء الأشخاص هنا؟ أمي أين أبي، ولماذا الصراخ
والبكاء؟ أمي لماذا تبكين؟ ويمسح دموعها، ويبتسم ابتسامة أبيه الساحرة، ويقول لها
لاتخافي أمي، أنا هنا إلى جانبك، فلا تخافي.. أبي سوف يعود من العمل قريباً.
تغص الدمعة في داخلي وها أنا أرملة صغيره لا أعرف ماذا تخبئ لي الأيام، وكيف سأشرح
ما ليس بمقدوري شرحه لطفلي، لأني أنا نفسي لا أعرف لماذا اختار القدر هذا الملاك،
ولا ماذا أثقلني بالهموم، وأنا صغيرة على هذا الهم.. لقد كان القدر ظالماً بختطف
ملاك بهذا الشكل، وهو لم يعش حياته بعد. لكن ما عساي أقول، هذه مشيئته وما باليد
حيلة، على أن يلتئم الجرح يوماً ما.