صراع الأجيال بين الحرب الناعمة والمواجهة العنيفة - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

صراع الأجيال بين الحرب الناعمة والمواجهة العنيفة
الأسير وئام عماشة * – 17\04\2011
مصطلح (صراع الأجيال) يحتمل تفسيرات كثيرة. اختلاف فئتين عمريتين على قراءة الواقع والتعامل معه، أو جيل يرفض منظومة مفاهيم تحكم جيلا آخر.. وإلى آخره من هذه التعريفات، ولكن يبقى السؤال هل هذا الصراع الأزلي شرعي أم لا؟ وكيف يمكن فهمه في إطار التقدم الطبيعي للبشر وتطور تكنولوجيا المعلومات؟
قد يطول الحديث عن هذا الاختلاف بين الأجيال عما له من أشكال متعددة في التعبير عنه، حيث يدافع كل جيل بشراسة عن مفاهيم ومنظومة أخلاقه ومرجعياته المعرفية ويعتبر كل جديد أمراً طارئا يهدد قناعاته وربما قدرته على توريثها.
شرعية النظر لهذا الصراع – الخفي حينا والعلني أحياناً – كل من زاويته مسألة حتمية، لذلك قطعاً تختلف الرؤى من شخص لآخر.
ولكوني أنتمي إلى جيل ولد في الفصل الأخير من الحرب الباردة ومن رحم العولمة وعصر الانفتاح الإعلامي، لا بد أن يكون الجيل الذي تدور معه المواجهة هو جيل الحرب العالمية الثانية ونهضة الأحزاب الشيوعية ونشوة التيارات القومية في فضاء الجمهورية العربية المتحدة. هذه المواجهة التي لها أن تتجلى في جميع مناحي الحياة، بدءا من عادات وأعراف مروراً بأسلوب التفكير وصولاً إلى طريقة التطبيق.
بعيداً عن نظريات علم النفس وعلم الاجتماع فإن رصد تعبيرات هذا الصراع لا يحتاج لجهد بحثي، والأمثلة على ذلك عديدة. إن غالب الأنظمة العربية التي صعدت لسدة الحكم قبل عدة عقود تحت مضلة شعارات قومية ألهبت مشاعر شباب ذلك الجيل، ها هي ترغم على التنحي تحت وطأة انتفاضات الشباب التي تغمر شوارع وساحات المدن والعواصم العربية رافضة النظام القديم ومطالبة بتغيير يضمن للجيل الجديد حق المشاركة في إدارة الدولة وصنع القرار.
هذا المثال يبرز المواجهة متطرفة وبشكلها العلني، وإن كان الأمر نسبياً. فإن مثالاً أخر يبقيها شرعية وبشكلها الخفي، كالدور الذي يكتسبه الفن في صياغة الثقافة العامة، فإن الفنون التي يستمتع بها جيل جديد قد تسبب التوتر والإزعاج للجيل الأسبق، لكن المفارقة هي أن ذلك الجيل كان ذات يوم يجسد بذوقه الفني مصدراً للتوتر والإزعاج لجيل سبقه، وما يعتبر اليوم فناً تقليدياً لم يكن كذلك الأمر قبل عشرات السنين، وما يقال اليوم بحق آدم ونانسي قيل أضعافه بحق فريد وأسمهان.
إن تكنولوجيا المعلومات تقف في صلب هذا الصراع، انطلاقاً من تأثيرها المباشر على تطور المجتمعات، فإن وسائل الاتصال الحديثة التي كسرت منطق احتكار المعلومة وحجبها عن عامة الناس ساهمت بشكل مباشر في بلورة رأي عام بين أوساط الشباب جعلتهم يخرجون إلى الشوارع يصرخون بصوت واحد مطالبين بالتغيير، حيث أن الجيل الأسبق كان يفتقر لهذه الوسائل المتطورة وما تقدمه من إمكانيات للتواصل الاجتماعي، فكان يستقي معلوماته من الخطابات والكتب التي تمر بطريقها إليه على أنواع متعددة من الرقابة الصارمة.
إن الإمكانيات التي أتاحها التطور التكنولوجي بتقديم الخدمات للفرد غيرت شكل التواصل الاجتماعي مما رافق ذلك إقصاء لتقاليد قديمة وظهور عادات جديدة، الأمر الذي عمّق الفجوة بالمفاهيم بين الجيلين وساهم في كثير من الأحيان بتحويل الحرب الناعمة إلى مواجهة عنيفة.
لا بد للجيل الأسبق إلا أن يهادن من باب التواطؤ والتسليم بالواقع لمصلحة حضارة تبنى بتتابع الأجيال، ولا بد للجيل الحديث إلا أن يوثق إبداعات الماضي الأصيل ليضمن مساهمته في بناء مستقبل منير.
_________
* وئام محمود عماشة: أسير جولاني في معتقل الجلبوع، يمضي حكماً بالسجن 20 عاماً في السجون الإسرائيلية بتهمة مقاومة الاحتلال.