في ذكرى قبلتي الأولى
خطيئه ام حب 3
شهرزاد الكلمة - 28\04\2011
اعذروني أعزائي القرّاء لأنني تأخرت في نشر حلقتي هذه الاسبوع المنصرم, فقد كان
هناك عمل يشغلني، لكني الآن متفرغة فعادت الكلمات تملأ الأوراق، عله وعسى أن تنال
حلقتي هذه حيزاً من ذاكرتكم، وعلى أمل أن يعجبكم ما اعتصر الفكر والخيال...
استمتعوا:
كانت أمي تبدو مستاءة جداً، فسألتها بعد أن ابتلعت كماً هائلاً من اللعاب، تجمع في
فمها، فسألتها: أمي ماذا هناك؟ أجابتني بنبرة عتاب: أين كنت؟ لقد تأخر الوقت وجوالك
مغلق، لقد قلقت عليك كثيرا. أجبتها: سامحيني أمي فلقد فرغت البطارية ولم اقصد
إخافتك. اختلست النظر إلى غرفة المعيشة، وكان أبي كعادته جالسا متربصا لأخبار
الساعة، وحال الثورة في ليبيا، يأفئف ويشتم ويدخن بشراهة، غير مبال بغيابي. استرقت
الخطى إلى غرفتي ، ولم أقبل أمي وأحتضن صدرها الحنون هذا المساء، فقد خشيت أن تشتم
رائحة عطره على سترتي ووشاحي الأحمر، وتفتضح أمري. دخلت إلى غرفتي مسرعة، خلعت
حذائي، ورميت كتبي ومحاضراتي أرضا، وفتشت عن دفتر مذكراتي، وكانت الغبطة تأرجح
مشاعري كما تأرجح نسائم أيار غصون الشيح وتعبقه.
وكتبت في مذكراتي:
يا بعد قلبي وروح تهواك
توي فارقتك والقلب يبيك وما يبي سواك
يا جميل المحاسن دوم أنا أتلهف لقاك
أضمك.. أشمك.. أكحل عيني بزين محياك
ترى أنت الغالي والروح والله فداك...
دونت التاريخ في الأسفل وكتبت: "في ذكرى قبلتي الأولى".
توجهت إلى الحمام لأغتسل وأفرك أسناني، شأن كل يوم، نظرت إلى نفسي في المرآة
ورأيتني جميلة جداً، أجمل من أي يوم مضى. كانت عيناي تشعان بريقاً. ثم شحت بنظري
إلى صنبورة المغطس ورمقتها بنظرة عابثة، ثم ابتسامة، وقلت لها اعذريني لن أتعرى
أمامك اليوم، سأبيت بملابسي، لأنني سأتنفس عطره منها هذه الليلة، وسأحضن وشاحي
الأحمر وأقبله.. ولن أخنق جسدي بالشراشف والأغطية، بل سأحجب الهواء عن صدري وأدفئه،
وأغذيه بسترتي السوداء التي امتصت حبيبات عطره كالإسفنجة، وسأذوب في حلم يجمعنا
كالملح في وعاء حساء ساخن.
ارتميت في سريري وتململت كالسمكة، متذكرة مراوغة شفتيه فوق شفاهي كعصفورين صغيرين
يتغازلان، وكيف أصيبت شفاهي بالخدر من جراء قبله.. إنها قبلتي الأولى، نشوتي
الأولى، وذكراي الأولى... آخ كم هو لذيذ هذا الحب.
ألا تشعرين بالخجل؟ ألا تشعرين بتأنيب الضمير؟ يا لوقاحتك يا هذه! ألا تهابين وقار
أمك وورعها؟ ألن يخيب ظنها فيك حين ما تتقصى ما يحوم في رأس عقلك من ذباب الخزي
والقذارى؟ أجبت الأنا في داخلي: اخرسي واخلدي للنوم، فلا أريد مواعضك الليلة، لا،
لن تفسدي علي فرحة قبلتي الأولى.
الحب ليس قذارة. إن الحب جميل ومعطاء وطاهر وعذب. وهم..هم من شوهوا صورته في نظرنا.
هم من ربطوه بالزواج.. لا محال...هم من حاصروه في قفص والقوا عليه اسم الرذيلة..
ألا تتمحور حياتنا كلها حول الرذيلة؟
الا نتزوج لكي نمارس الرذيلة؟ ألا نقيم المراسيم والاحتفالات ونهلل اقتراب الرذيلة؟
أم حين ما تكتب ورقة خطها بعض أشخاص، ووقعها عدد من الأشخاص لا تعود تسمى بالرذيلة؟
لأننا مجتمع سطحي ويطغى عليه العنصر الذكري البحت، ونحن ومع سعة مداركنا وزمع
ارتفاع نسبه مقاييس الحضارة، لا نزال نقيّم نزاهة الأنثى بارتباطها بذيول الرذيلة،
أو إذا كانت طاهرة منه. أي فكر هذا وأي منطق!
فيا أيها الأنثى اكذبي واسرقي واقتلي، وانقلي النميمة، لكن إياك ثم إياك من
الرذيلة... لا تكشفي محاسن جسدك، فإن العري مغر، والإغراء يؤدي إلى الرذيلة.. لا
تشربي الخمر فستفقدين عقلك، وبالتالي عقلك. المجون سيقتادك إلى الرذيلة. لا تحلي
شعرك وتبسمي ثغرك، فإن هذا فعل الفاحش، وستنجرين أيتها الأنثى إلى سياق الرذيلة!!!
وكأن الأنثى تتلوث بهذا الوباء دون تدخل الذكر، أو أن الذكور ذوو مناعة قوية يشفون
من وباء الرذيلة حال ما يخرجون من أسرّتهم الموبوءة بالنساء، وتظل الأنثى لتعاني
عقوداً من مرض العار والفاحشة وسوء السمعة. أما الرجل والذكر الغالي يتبختر كديك
عارم الملامح، لا شيء يشوب حسن سلوكه...
أيتها الأنثى، حافظي على جوهرتك الثمينة، فكرامتك ومصيرك منوطين بها... ألم يزرعوا
في عقولنا منذ الأزل أن هناك جوهرة غالية محشورة بين أرجلنا!؟ نموت ثم نموت ولا
نفرط فيها إلا حين نوقّع على تلك الورقة بحضور شهود.. أي الزواج. فممنوع عليك أيتها
الأنثى ركوب الدراجة، أو امتتطاء الخيلأ أو ممارسة ألعاب الليونة (الجمباز)، ولا
غيرها.. خوفا على شرفك الغالي المختبئ تحت ملابسك... يا للهول!!!
أذكر حين داهمتني الدورة الشهرية أول مرة، كنت في الثالثة عشرة، وكنت قد استيقظت
لتوي من النوم، فأجهشت في بكاء مرير حينما اكتشفت الصاعقة، إذ ظننت أن وحشا ضار
افترس جوهرتي أثناء نومي، وبكيت.. وبكيت.. حتى العويل. فما قيمتي أنا دون شرف وعفة؟
دخلت أمي غرفتي مذعورة: ما بالك يا ابنتي؟ وإذ بها تهدئ من روعي لتقول: حبيبتي، لا
تخافي إنها علامات البلوغ... ماذا؟ بلوغ؟ بالله عليك يا أمي، انتظرت ثلاثة عشر
عاماً حتى تخبريني بأن هذه المؤشرات هي علامات النضوج؟ لم أعرف وقتها، هل علي أن
أضحك أم أبكي على خيبة جنسنا.
وبين أفكار الممنوع والمسموح المتخبطة في رأسي كالأمواج العاتية، استغرقت في النوم.
في صباح اليوم التالي نهضت من فراشي وكنت لا أزال أحتضن وشاحي الذي تفوح منه رائحة
الغالي، وكنت أشعر أنني استطيع التهام حيوان ميت من شدة الجوع... فتحت ستارة
النافذة المطلة على الشارع، ووقع نظري على رجل يقارب الستين من عمره، مرتديا ملابس
رثة بالي، يحمل على ظهره كيسا كبيراً محشوا بالأغراض، ويحمل بيده علبة فيها عدة
ساعات تبدو رخيصة الثمن، وكان الجو باردا جدا، ورذاذ الأمطار يتناثر على جبهته
ورأسه، وبكتفه كان يحاول أن يمسح نقاط الماء عن وجهه المليء بالخطوط.. آلم قلبي
منظره.. وانطفأ إحساس الجوع فجأة، فانتعلت حذاءا ونزلت إلى الشارع مسرعة وناديته يا
عم!
...ويتبع