نار وغار
مسعود الجولاني - 02\05\2011
بالأمس كان القمر غافيا ما بين أغصان السنديان، يطلّ بغير شغف عبر وريقاتها، ولمَ
العتب وقد عاف رتم الحياة في حيّنا على مدار سنين طويلة! فالشيوخ تشغلها مواعيد
الصلاة، والرجال يكثرون التلفّت يمنة ويسرة وقد غارت في عيونهم حدّة النظرات،
والنساء غارقات في احتساب أسعار اللحم والخضار، و الشباب هادئ صامت، لا يعلو صوته
إلا ليسأل الحظ في ورقة يانصيب أو ليرجو النرد رقما حاسما، وكان لدخّان السجائر
الفضل بأن يضفي على تجمعاتهم شيئا من الخصوصية، حيث يحجب الضوء قليلا، فيشعرون
بفضاء الحرية التي توفّر لهم سرية الانتخاب-ينتخبون بكلّ شفافية ويختارون ما شاؤوا
من أوراق اللعب المترامية على الطاولة المستديرة التي تجمعهم من حولها.
وفي غمرة هذه الرتابة، أفاق فجأة القمر المتلصّص ليجد أن الحياة من حوله تغيّر
ملامحها، فالهدوء تحوّل هديرا والعشب أمسى نخيلا، وها هي الزهور التي بدت بالماضي
غضة طرية، ما بالها اليوم تشبه الأشواك؟ ألا تنفع الوعود النديّة التي لطالما
انتظرتها؟ آه من تبعات المسؤولية والغوص في أعمق الحجج، ولكن عجبا من أولئك الذين
يرمون الأشجار المنتصبة بأسهم من نار، وإذ تقترب الأعين تتبدّل الأقنعة، فيرشقونهم
من جديد ولكن في هذه المرة بالغار والياسمين، ولسماحة أخلاق مفاجئة، يسمحون لهم
بارتداء بذلة الثلج وتُقام كل الطقوس اللازمة التي تعد بأنّ لهم حياة مرتقبة مع
ملائكة الجنّة.
وفي ذلك النفق الطويل، تتصارع الحكايات المتناقضة وتُختلق الأجواء الغامضة، فيتيه
كل بتحليل المشهد على هواه حيث تتداخل أناشيد الوحدة بهاجس الفرقة ويُتهم انبلاج
النور بتسلّل الظلمة وتُعزى ثورة أوراق الشجر للرياح الغربية العاصفة، وما بين هذا
وذاك ينزف الجسد ويكتب التاريخ ولادة الحقيقة.