«الذهب الجولاني» - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


"الذهب الجولاني"
أسامة العجمي * – 11\05\2011
عرضت في الفترة الاخيرة اقتراحات كثيرة لحل "الأزمة الاقتصادية" في المنطقة، مسبباتها، مخططات لحلها، وبالطبع المشككين بوجودها أصلا. في المقاله التالية سأسلط الضوء على المصدر الاساسي للظاهرة، بالاعتماد على ابحاث نشرت في مجالات اقتصاد القرية والاستهلاك المحلي.
إن سلسلة من الاحداث غير الموفقة التي تعصف بالمنطقة منذ سنين تعد مركبا مهما في التأثير سلبيا على اقتصادها، وهنا اقصد البعد الجغرافي عن أي مركز اقتصادي، نقص الوظائف المطروحه من القطاع العام والخاص، الطبيعة السياسية للمنطقه، المنافسة الغريبة (أو "الاجر الغريبة" كما وصفت سابقا)، التخطيط التجاري المتردي بما يخص الاستهلاك واقامة المصالح، تركز الثروة والسلطة، ومشكلة الديون بالطبع.
كما ذكرت سابقا، فان المشكلة ليست حصرا على منطقتنا فقط، بل هي ظاهرة عالمية، واذا تطرقنا لمشكلة المصالح الصغيرة كبداية، سنجد بأن المخاطر لدى هذه الشريحة هي كثيرة، ومنها صعوبة الحصول على تمويل بنكي، الضرائب المباشرة والغير المباشرة التي قد تصل الى 60% من الدخل (باضافة ضرائب على الوقود)، البيروقراطية الاليمة لتسجيل مصلحه وتشغيلها (احيانا يشعر صاحب المصلحة بانه خارج عن القانون قبل تشغيله لمصلحته حتى).
فما هي الحلول اذن؟.. الغاء الديون والتعامل بالشيكات؟ منع دخول منافسة خارجية؟ تطوير القطاع الخاص والسياحه بالتحديد؟ تشجيع الاستهلاك المحلي؟
جميع ما ذكر أعلاه هي حلول ممكنة، المشكلة تكمن في كيفية تطبيقها وكلفتها والعوارض السلبية الجانبية لبعضها.
ولكن اذا ناقشنا بعض الاقتصاديات القوية والناجحة في العالم كالمانيا، الولايات المتحدة، اليابان، بريطانيا والصين، سنجد قاسما مشتركا للنجاح والذي يمكن تطبيقه حتى في منطقة ريفية ومنعزلة كمنطقتنا.
هذه الدول قامت باستثمار مليارات الدولارات في ميزاينات التعليم والتشجيع على الإبداع والتطوير التكنولوجي، المبادرات والاختراعات الجديدة، لمعرفتها بان ذهب القرن الواحد والعشرين يكمن في المعرفة، فأين نحن في هذه المعادلة؟
مراجعة بسيطة لذاكرتكم ستظهر بان سنين التعليم الطويلة في المدارس والجامعة، وبداية منذ صف البستان، انطوت على مواد اساسية تقليدية كاللغات والعلوم، ولكن الثقافة المالية وكل ما يتعلق بادارة صحيحة للحياة المهنية والتخطيط الإداري والتجاري لم تكن موجودة. لا يوجد اليوم في المنطقة دروس او مواضيع لطلاب المدارس بمجالات المال والاقتصاد والإدارة. وعلى رغم قدرات المنطقة الهائلة من خريجي الجامعات والمثقفين وأصحاب المهن الأكفاء، فإن الحلقة الناقصة تبقى بغياب "صندوق أدوات إداري" لترتيب المنظومة وجعلها أفضل.
في الولايات المتحدة يعد تعلم "الادارة المالية والمبادرات التجارية" (לימודי פיננסים ויזמות עסקית) جزءا ضروريا من برنامج التعليم، ابتداء من صف البستان. عندما يقوم طفل امريكي صغير ببيع الكعك في الحي، فهو يتعلم كيفية معرفة خصائص السوق الخاص به، كيفية ملائمة المنتج للزبائن واقناعهم به، وبالتالي غرز الحب للتطور والتفكير الابداعي الاقتصادي منذ سن مبكرة، وهذا يخلق مجتمعا مبادرا، ديناميكيا ومحبا لخلق الفرص واستغلالها.
كنت شاهدا على العديد من البرامج الحكومية التي تهدف لتخفيف مستويات البطالة، دعم المصالح والاجيرين وغيرها، ولكن تبقى فعاليتها محدودة مقارنة مع النجاح الساحق لخطة تعتمد على التوعية الاقتصادية منذ جيل مبكر.
والآن، إذا راجعتم اللائحة التي ذكرتها سابقا بمشاكل المنطقة الاقتصادية، ستجدون أنه يمكن التغلب عليها جميعا باعتماد حل طويل الأمد، عبر تعاون بين القطاع العام والخاص ذات تكلفة بسيطه، إذا ما قورن بالنتائج المتوقعه في الأمد البعيد. لن تكون هنالك مشكلة أسعار، ديون، استهلاك غير صحيح، مشكلة توظيف وغيرها، ولن يكون هنالك فشل بالسوق كما هو الوضع الان. اليد الخفية ستحرك المنظومة بافضل شكل عندما يكون الوعي الاقتصادي موجود، وهذا سيؤدي الى خلق افضليات نسبية كبيرة لمصالح المنطقة، سكانها وخريجيها.
القدرة على خلق أشخاص مبدعين ومتجددين، هي وظيفة الأهل، السلك التعليمي وتسخير البنية التحتية اللازمة من القطاع العام. ففي النهاية، المعرفة والثقافة المالية هي منتج عام يحق لكل شخص الحصول عليه. لدينا ما يكفي من العقول الجميلة والتي اسميتها "الذهب الجولاني"، ويبقى لنا القرار في استخلاصه او تجاهله. وكما في قصة جزيرة الكنز ((روبرت لويس ستيفنسون 1883))، فإن الرحلة للوصول الى الذهب مليئة بالصعاب، ولكنها تستحق الجهد.
لا يوجد خطة قطرية لانقاذ المصالح والمنطقة من الغرق في ازمات اقتصادية. لا يوجد جسم واحد كبير للتوجيه، البيروقراطية ستبقى دائما موجودة وعوائق الائتمان البنكي الصعبة. الحل السحري يجب ان يأتي من تغيير داخلي عميق لمفاهيمنا المتعلقة بالنجاح والوعي الاقتصادي والسعادة..

______________
* أسامة العجمي - مستشار اقتصادي مصادق من وزارة الصناعة والتجارة
B.A. Economics & business management
Haifa Uni.