الثورات العربية ومناضلو النت
فاضل فخر الدين - 18\06\2011
أجمل ما في الثورة المصرية وقبلها الثورة التونسية انها كانت عارمة وسلمية وبدون
قيادة. وافضل ما جرى لها ان أحدا لم يستطع ان يتسلق على جراحها، لا لجنة حكماء
لمحاورة السلطة المحتضرة ولا أحزاب معارضة متهالكة نامت قرنا في حضن الحزب الحاكم
وربت كروشاً من مائدته واستفاقت مشدوهة فحاولت التسلق على الانجازات وقطف الثمار،
ولا مؤتمر دعم خارجي يلعق دماء الثوار بنشوة المنتصر ولم تنزف منه قطرة دم بل ولا
نقطة عرق والأنكى أن يختلف في صياغة بيانه الختامي حول شكل الدولة الجديدة. ولا
موقف أمريكي واضح إلى ان افتضحت المصالح، ولا من يسمون أنفسهم نشطاء سياسيين لا
يعرف من نشاطهم سوى الحملقة في الفضائيات وتمحيص صفحات النت وتحريض المنكوبين
بالنار عبر الأثير بأن يحملوا أرواحهم على راحاتهم ويهجموا بصدورهم العارية أمام
الرصاص الحي. لا تنقص هؤلاء النشطاء إلا طنجرة حسني البورزان في ضيعة تشرين.
هؤلاء هم ثوار المنتديات وصفحات التواصل الاجتماعي باللاسلكي.
في الثورة التونسية والمصرية ذابت أطياف المجتمع بكل انتماءاتها ومشاربها وأعمارها
تحت لواء واحد وهدف واضح. وفي الربيع العربي انتصرت الثورة لأن المجتمع لم ينقسم
فلم يعد ينفع معه اسلوب "فرق تسد". والجيش لم يتشرذم بل بقي تحت أمرة قائد واحد همه
سلامة الشعب ولم ينصع لأمر الرئيس بإطلاق النار على المتظاهرين بل على العكس خيّر
الرئيس إما بالتنحي بطيب خاطر او مواجهة الجيش والشعب معاً، ولم تحمل الثورة السلاح
فيصبح سلاح مقابل سلاح وأفق ضيق مقابل أفق أضيق.
هكذا بدأ الربيع العربي فكيف يبدو الخريف؟
الثورات التي بدأت سلمية في تونس ومصر وجمعت حولها قلوب العالم أجمع لم تعد كذلك في
باقي الدول. فقد بدأت "ثورة المليون" لتنتقل لثورة "من سيقتل المليون" : الثوار أم
السلطة. والآن أصبح العنوان ثورة "من سيدفع المليون" بل من سيسدد فاتورة ملايين
الدولارات ثمن الطائرات والصواريخ التي تنهال على الرئيس الذي يأبى الخلع. وثمن
الجيش الإعلامي والمؤتمرات التي تتربح من الثورة. من سيسدد حساب أمريكا وحلف النيتو،
تلك القوى نفسها التي "نفخت" بوقها الاعلامي في قوة العراق لتدعي أنه صاحب رابع
أقوى جيش في العالم فداسته مشياً في بضعة أيام حاملة معها جحافل ابن العلقمي التي
أرضعتها حليب الديموقراطية المعدلة جينياً بينما تقصف العقيد زنقة زنقة لثلاثة أشهر
لم تستطع فيها أن تخدش ذرة من حياء لا يملكه؟
الغرب الذي وقف مشدوها كالطفل عندما بدأ الربيع العربي المباغت في شباط يلعب على
الأرجوحة، مرة يدعم الثورة ومرة يدعم النظام كبر وأصبح له في حزيران موقف وأسنان
ومخالب. فهو يحاول خطف الثورات الناجحة ويتدخل لتشكيل الثورات القائمة حسب مصالحه
التي لا تنتهي ولن تنتهي.
بمساعدة رفيق الطفولة، السعودية - نصيرة المخلوعين ومأوى المحروقين- مع محور الشر
الذي يرافقها بدأت أمريكا بمصادرة نتائج الثورات، من محاصرة القرار المصري حول بيع
الغاز المصري لاسرائيل أو التدخل في منصب وزير الخارجية أو الدفع بالسلفيين لحرب
طائفية أو زج قوات درع الجزيرة لاحتلال البحرين او التهديد بطرد مليون ونصف عامل
مصري من الخليج. والآن لم يبق َ إلا أن يلبس الاردنيين والمغاربة الدشداش وينتعلون
الصندل ويأكلون الكبسة حتى تكتمل أزهار الربيع الخليجي.
يخلط البعض بين الفيس بوك وتكنولوجيا الاتصالات بشكل عام. بين قوة الصورة الحية في
الهاتف المحمول من وسط الحدث وبين أنانية الكلمة المزاودة على صفحة عابرة للقارات
يعتقد صاحبها انه جزء من الثورة وان "نشاطه" بالتنظير على الدماء المسالة "ملموس
ومثمر". رغم علمهم عن قطع الانترنت والاتصالات في مصر خمسة أيام ولم تتوقف الثورة
وتبقى سوريا بدون صحافة أجنبية ولم تنته المظاهرات.
في تحليل المواقف يصنف المنظّرون الموقف في الجولان بموالاة ومعارضة وانعزاليين. لا
يرون أغلبية صامتة أكثر من كل هؤلاء مجتمعين ترى أن شجاعة الموقف هي ملك من يأخذه
في ساحة النضال وترى أن منتهى الجسارة أن تخرج عاري الصدر مقابل الرصاص وليست
الشجاعة ـ والكلام للوزير غازي العريضي في وقت وموضوع آخرين ـ ليست الشجاعة فيمن "يتملق
الموقف ليتسلق الموقع" . أو لأصحاب التنظير والمزاودة على الدماء الزكية والتزلج
على أمواج الثورات أمام شاشة الكمبيوتر.
باسم جميع الشهداء أرجوكم أصمتوا...
ملاحظة:
نزولاً عند رغبة الكاتب، تقبل
التعليقات على هذه المادة بالاسم الثلاثي فقط.