يقظة
إياد مداح - 26\97\2011
لم تشأ الطرقات، في ذلك المساء، أن تبقى نائمة، صامتة، وذلك المشهد الكوني يحرك حتى
الجبال، صار النور يقترب ويقترب، وكلما اقترب أكثر كلما صارت الطريق أوسع وأبهى
وكأنها استفاقت في منتصف الليل على أصوات أطفال يدعكونها بأقدامهم ويداعبون جنباتها
ويتلمسون بأناملهم نتؤاتها.
صار النور على بعد أمتار من بيتنا، قرب الطريق، والمارة نيام، وكأن الزمان ببحثه عن
المكان اختار هذه الطريق.
أنا كنت نائما، أو كان جزء مني نائما والجزء الآخر مستيقظا، بالقدر الذي يتيح لي أن
أتنفس وأن آكل وأشرب وألا أعترض وأخاف على راحتي.
اقترب النور أكثر، وصار الطريق أوسع، وانقلب الهدوء ضجيجا.
انهم العسكر...
انهم العسكر...
صوت صاح من بعيد... انهم عسكرنا... أين كانوا... من أين أتوا؟
صار النور الواحد قطعانا من النور، النور يلحق النور، وخلف النور كان ظلام، ظلام
يسبقه ظلام...
دخل عسكرنا بيتنا، كنا كلنا نائمين، وبقينا نائمين، جزئي المستيقظ فقط كان حاضرا،
لكن، لم يكن له الحضور اللازم، مجرد شيء ككل الأشياء، شيء لا يذكر أمام زحف عسكرنا
علينا...
المهم، مر العسكر من أمامي، داسوا على سريري وأقلامي ورواية كنت أكتبها عن الحب
والمقاومة، وكنت أتفرج ولا زلت، صعدوا الى سطح البيت واستقروا هناك ولا زالوا حتى
اللحظة.
مر اليوم الأول والليلة الثانية واليوم الثالث ومر ليل آخر ونهار وليل ونهار، ماتت
الأثداء كلها لكن الأطفال الرضع كانوا يستيقظون، كلما مات ثدي يستيقظ رضيع، يموت
ثدي ويستيقظ رضيع يموت ثدي ويستيقظ رضيع، حتى صار الرضع بعدد العسكر وأكثر من ذلك،
فكلما ولد رضيع مات أحد العسكر، يولد رضيع فيموت واحد من العسكر الى أن خيم الحب
فوق قريتنا، وذابت بدلات العسكر.
في الصباح استيقظت القرية على صوت مناد قادم من بعيد ينعق بأعلى صوته ويقول:
"ماتت قريتنا وعاشت قريتنا، راح العسكر، راح العسكر... لكن، صوت المنادي كان مألوفا،
ذلك النعيب هو الذي أعلن أيضا عن موت المطر ألف مرة والمطر لم يمت يوما، انما كان
زائرا في مكان يمكنه النزول فيه كما يحب وحيث كان العسكر لم يكن يحب أن ينزل... كان
المنادي من العسكر...