قبس من نور
بقلم : ناظم نصرالدين صعب
يحكى أن الشمس والريح اشترطتا فيما بينهما على رجلٍ يلبس معطفاً ويقف على هضبة
مرتفة المكان والشأن. فقالت الريح: أنا استطيع أن انزع المعطف عن جسم الرجل بالعنف
والقوة, وقالت الشمس: أنا التي استطيع أن انزع المعطف عن جسم الرجل بالدفء واللين
والسكينة والهدوء.
فبدأت الريح تقصف وتزمجر وتشتد وتحتد فيزداد الرجل عند ذلك تمسكاً بمعطفه ويمسك به
بقوة ليحمي نفسه من شدة الريح والبرد الى أن عجزت الريح عن تحقيق الهدف المنشود.
ثم اتى دور الشمس فبدأت ترسل اشعتها الدافئه وحرارتها الهادئه ونسيمها العليل فشعر
الرجل بالدفء والحرارة والطمأنينة فبدأ رويداً رويداً يفك ازرار معطفه الى أن نزعه
اخيراً عن جسمه بمحض إرادته.
وأنا من خلال هذه الموعظة الحسنة اتوجه الى اهلي واخواني في الجولان الحبيب والى كل
من يريد أن يتعظ أن يكون شعارنا في تعاملنا مع بعضنا هو (( الليونة والتسامح )).
وأن لا نتعامل بالأنانية والكيدية بل بالروية والعقلانية ولنعلم أن الانسان ينظر
إلى اي موضوع يواجهه بإحدى ثلاثة عيون :
1. عين المحبة: وهي التي تخدعك بأن كل ما يفعله من تحب صحيحاً ومنطقياً.
2. عين الكراهية: وهي تخدعك أيضاً بأن كل ما يفعله من تكرهه هو خطأ وغير منطقي.
3. عين العقل: وهي الحق والمنطق والصح التي ترى من خلالها الخطأ خطأ والصحيح صحيحاً
والحسن حسناً والقبيح قبيحاً, فلنقـيّـم الامور ونحدد صوابيتها أو بطلانها من خلال
عين العقل والحق والمنطق, ولكي يكون الامر جلياً في ذلك فلنتبع قول أحد الحكماء (عاشر
العقلاء وحاور الحكماء أصدقاء كانو ام اعداء فإن الافكار تلقح بعضها).
وليكن التواضع ولين الجانب من شيمنا فلقد اوصى لقمان الحكيم ابنه قائلا: يا بني (الن
جانبك لقومك يحبوك وتواضع لهم يرفعوك) ولنبتعد عن الغرور والاستكبار لانهما يسبقان
الانهيار.
ولنعمل معا ايها الاهل على ازالة الهوة الفاصلة بين شريحتي المجتمع الديني والزمني
وبين من يضع القرار وبين من ينفذ القرار, هذه الهوة التي تلغي اللغة المشتركة بين
الفريقين ويحل محلها سوء فهمٍ مشترك حيث عندئذٍ يصبح كل فريق بعيداً عن الاخر يتصرف
كل منهما حسب معرفته وفكره ونظرته للامور وهذا يوصلنا فيما بعد الى زوال العمران
وخراب البلدان الذي اكّده المؤرخ العربي ابن خلدون في " مقدمته الشهيرة ", ثم ثنّى
في تأكيده الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه " العقد الاجتماعي " .
هذا بالاضافة إلى ما سبقت الديانات السماويه الجميع اليه باقوال متشابه متقاربة فقد
ورد في القرآن الكريم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ).
وفي الانجيل يقول السيد المسيح (وصية جديدة أنا اعطيكم, أن تحبوا بعضكم بعضا), وقال
ايضاً (احبوا اعداءكم, وأي فضل لكم اذا كنتم لا تحبون إلا من يحبكم).
ومن خلال هذا تكون الكلمة واحدة والثقة متبادلة والالفة مجتمعة والتعاون مشترك
والسؤدد متوفر والنجاح هو الحليف وابناء المجتمع هم اللفيف.
واذا ما سلكنا الصراط المستقيم وسرنا على نهج الدين القويم عندها تضيء انوار
الاقتباس المتنوعة وتصبح النفوس نفيسةً فتسمو الى اعلى المراتب بمعالم الاخلاق
والفضائل والارتياض وترقى الى اعلى المنازل المعنوية الجوهرية وهي تأبى الانسفال
والانخفاض.
والى مشايخنا الافاضل وشبابنا الاكارم اقول أن ابناء المجتمع ينظرون اليكم على انكم
الطبيب الماهر الذي يستطيع بسعة معرفته وتجربته وحكمته أن يشخّص الداء ويجد له
المناسب من الدواء, وحظراتكم اهل لذلك فما أفضل الشيخ الذي يتمتع بروح الشباب وما
احسن الشاب الذي يتحلى بحكمة الشيوخ, فليكن امرنا شورى بيننا ولنتعاون على البر
والتقوى.
فمجتمعنا الجولاني كما ترون وتعلمون بحاجة الى مواقف حازمة وقرارات صارمة في جوانب
متعددة واليكم المرجع وحضراتكم الاصل وقولكم هو الفصل ومنكم المبادرة ومن المجتمع
الموافقة والله وراء القصد وهو ولي التوفيق ونعم المعين النصير.