كفى تسلطاً على أبنائنا
ولي أمر – 16\08\2011
أكاد أجزم أنه إذا أجرينا أستفتاءً بين شبابنا من دارسين في الجامعات أو خريجين
وسألناهم ؛هل أنتم راضون عن اختياركم؟ فسيكون الجواب عند قسم لا بأس به، أنهم غير
راضين، ولو أن الزمن يعود الى الوراء لكانت خياراتهم مختلفة، والسؤال هنا؛ لماذا
وصل قسم من شبابنا الى مثل هذا الوضع؟
الجواب بسيط جداً، ويتمثل بالعقلية التي تسيطر علينا كمجتمع، فنحن لا نولي أهمية
للاستشارة المهنية واكتشاف مواهب أبنائنا ورغباتهم في جيل مبكر، ولذلك نقع في
الأخطاء، ويدفع شبابنا سنوات من عمرهم بسبب هذه الأخطاء، فكم من مهندس أو طبيب أو
محام لا يرغبون مهنتهم، وإنما درسوها إرضاء للأهل والمجتمع، وكم من مواهب ضيعناها
عندما منعنا هؤلاء من ممارسة ما يحبون.
إن الصعوبة التي يواجهها أبناؤنا في الجامعات، سواءً في امتحانات الدخول أو بمراحل
التعليم المختلفة، تعود بالأساس لإهمال الاستشارة المهنية التي تؤدي الى الاختيار
الصحيح في المراحل المبكرة، أي في المرحلة الإعدادية والثانوية. إذن فالحل لهذه
المشاكل يجب أن يعيدنا إلى تلك المراحل، لنضع الأمور في نصابها الصحيح ولنساعد
أبناءنا على اختيار ما يحبون، حتى لا يقعوا في الأخطاء التي وقع بها من سبقهم.
لقد اعتاد أولياء الأمور في الجولان أن لا يفكروا بمستقبل أبنائهم إلا بعد إنهاء
المرحلة الثانوية، أما المراحل السابقة أي الابتدائية والإعدادية والثانوية فجرت
العادة أن يترفع الطالب من صف الى أخر دون الحاجة للسؤال؛
هل هذا الطالب موجود في الإطار المناسب لإمكانياته ومواهبه ام لا؟
إن أبناءنا ولدوا بإمكانيات مختلفة، وبمواهب متعددة، ولذلك يجب أن تتعدد المدارس
وتختلف، وفقاً لهذه المواهب والإمكانيات. فإن الطالب الذي ولد بذكاء مهني، أي "عقله
بيديه"، يجب أن يتواجد في مدرسة مهنية تنمي مواهبه وتدفع به إلى الأمام، أما من ولد
بذكاء نظري، فيجب أن تحتضنه مدرسة نظرية لتفتح أمامه إمكانيات التطور، لذلك وجب
علينا كأولياء أمور أن نكون على دراية بمواهب أبنائنا ونبدأ بتوجيههم بفترة مبكرة؛
أي من المرحلة الإعدادية، بمساعدة أخصائيين في التوجيه المهني، لأن وجود طالب ذو
ذكاء مهني في مدرسة نظرية هو أمر غاية بالخطورة، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع هذا الطالب،
ويبدأ تدريجياً يفقد ثقته بنفسه وبإمكانياته، ومع مرور الزمن تتراكم الصعوبات وقد
تؤدي بالنهاية إلى تركه المدرسة، والعكس صحيح.
من هنا وجب علينا كأولياء أمور أن نقف ونفكر ولو للحظة، ونسأل أنفسنا السؤال التالي:
كيف يمكن أن نلبي رغبات أبنائنا وفقاً لإمكانياتهم وكيف يمكن أن نجد المكان المناسب
لهم؟
إن النظرة التقليدية التي حكمت مجتمعنا لعشرات السنين المتمثلة بأن أبناءنا يجب أن
يكونوا أطباء أو محامين أو مهندسين يجب أن تتغير ونتخلص منها للأبد. فإن صاحب
المهنة الناجح والذي يتقن عمله لا يقل أبداً عن الاختصاصات المذكورة.
فحملة شهادات المعاهد المتوسطة، والمدارس التكنولوجية في الكمبيوتر و الميكانيك
والكهرباء والزراعة وغيرها من الاختصاصات لا تقل أهمية عن الأطباء والمهندسين
والمحامين، فالمجتمع بحاجة للجميع، لذلك فإن الأساس الذي يجب أن يحكم التوجه عند
الطالب هو الرغبة والموهبة. ونحن كأولياء أمور يجب أن نحترم هذه الرغبة والموهبة،
ونفتح أمام أبنائنا الطريق ليصلوا إلى مبتغاهم. لذلك كفى تسلطاً على الأبناء، ولنكف
عن محاولة استنساخ أنفسنا من خلالهم، فهم ليسوا ملكاً لنا، وإنما أمانة في أعناقنا،
يجب ان نؤدي الأمانة على خير وجه حتى لا يحاسبنا الله والمجتمع، ولا يكرهنا أولادنا
عندما يكبرون ويكتشفون أننا كنا أنانيين لدرجة أننا حققنا ذواتنا على حسابهم.