ميلاد سيطان
بقلم الدكتور جمال الولي - 22\08\2011
في هذا اليوم 23\08\1966 كنت جالسا امام الدكان الموجود في ساحة المجدل . منتظرا
عودة والدي من جبل العرب بعد غياب لمدة اسبوع . كونه كان يعمل بتجارة الحبوب .
يومها اسرعت باكرا لازف له بشارة ان والدتي قد وضعت طفلا جميلا ، ناصع البياض ،
مليح الوجه ، صحيح البدن
فرح الوالد فرحا عظيما واسماه سيطان . وترعرع الولد في بيت بسيط متواضع محبا للوطن
، والعلم ومضت الايام ..
وفي الحادية عشرة من عمره ، سافرت انا الى دمشق مع مجموعة من ابناء الجولان في اول
رحله طلابيه من الجولان لاستكمال دراستنا الجامعيه ، فاوصيته بالاجتهاد والمثابرة
والاهتمام حيث كان طالبا ذكيا يمتلك ذهنا منفتحا ، ومتقدا ..
وعندما اكمل الثانوية العامه ، كان طموحه دراسة الهندسة الالكترونية في روسيا . لكن
لم نعرف ان بذرة اخرى نمت في روحه ، ووجدانه ، فبدا يشكل مع مجموعة من رفاقه ما عرف
لاحقا بحركة المقاومة السرية في الجولان ، وبدا المشوار !!!
ففي تارخ 23 / 8 / 1985 ، وفي ليلة صيفية هادئة ، وجميلة ، اجتمع الاهل في بيتنا
الريفي ، حول الطاولة المنضدة ، وفي وسطها قالب الحلوى الكبير المزين بحبات الكرز ،
وقطع الشوكولاته ، وزرعت بداخله تسع عشرة شمعة مختلفة الالوان ذات حجم واحد ، وحوله
مجموعة متنوعة من الفواكه ، والمشروبات ..
الكل كان مشغولا بتزيين الطاولة ، والغرفه . اضيئت الشموع ، والكل ينتظر صاحب
الدعوى ، اذ دخل الى غرفته ليرتدي ثيابه الجديده ، ويعود حاملا معه سيفه الذهبي ،
ويقطع به قالب الحلوى ، انه عيد ميلاده التاسع عشر ، سيحتفل سيطان مع الاهل ، انه
فرح جدا ، وسعيد اكثر ، كونه سيسافر الى روسيا لدراسة الهندسة الالكترونية ، ويحقق
حلمه ، ويعود الى الجولان مهندسا . جميل ان يحلم الانسان ، وعلى طريقته !!!
تمر لحظات ، والكل بانتظار !!! تسمع اصوات سيارات كثيرة ومسرعه !! ينظر اخي ويقول
انها سيارات عسكريه تحيط بالبيت يا والدي . وبلمح البصر دخل مجموعة من الجنود
الاسرائيليين ، وكانهم اشباح ومدججين بالسلاح . نظر البعض اليهم ، بدهشة وذهول .
ونظر آخرون بخوف واضطراب . يتقدم احدهم وهو برتبة ضابط منقلا نظراته بالجميع ،
ويسال من هو سيطان ؟؟؟ اين سيطان ؟؟؟
فيرد الوالد من انتم ؟ وماذا تريدون من سيطان ؟ وماذا فعل ؟ وكيف لكم ان تقتحموا
بيتي بهذا الشكل الهمجي ، ودون استئذان !!! هيا اخرجوا من بيتي !!
سمع سيطان كل ما دار من شجار في الصاله ، وهو يعرف تماما انهم جاءوا لاعتقاله ،
وليس هناك من مفر .
فكر سيطان قليلا !! ماذا سيفعل ؟؟ هو لايستطيع الهرب ، ولماذا يهرب ؟؟
فيخرج سيطان من غرفته الى الصاله مرتديا طقمه الاخضر ، وقميصه الابيض ، ويتقدم الى
الامام ، ممتشقا سيفه الذهبي ، والذي كان على وشك ان يقطع فيه قالب الحلوى ، وليوزع
قطعه على المحتفلين .
ويتقدم من الجنود بخطى بطيئه ، وواثقه موجها سيفه صوبهم ، ومنقلا نظراته بهم واحدا
واحدا ، وكأن قتالا ضاريا سوف يدور بينه وبينهم ..
ويقول لهم نعم انا سيطان !! فيقول له الضابط : هيا معنا !! فيرد سيطان لماذا والى
اين ؟؟
لا !! هو استجواب بسيط لا تخف !!
انا لست خائفا ! ولما الخوف ! وما زال سيطان رافعا سيفه في وجه الجنود ، ويلتفت نحو
اخيه فيسلمه السيف ، ويقول له هذا السيف امانة بين يديك .
يحاول والدي انتشال ابنه من بين ايدي الجلادين ، وتصرخ والدتي بصوتها الجبلي المرعد
كما اللبوة التي تدافع عن صغارها ، وتقول لهم الى اين تاخذون ولدي يا اولاد الحرام
، الكل يحاول التدخل لانقاذ سيطان .
سيطان : لا تقلق يا والدي ، لا تقلقي يا امي انا عائد يا اخوتي ، انتظروني انتظروني
!!!
وسرق الفتى ، سرق العريس ، سرق البطل !! الى اين ؟؟ لا احد يعرف ، كم سيطول غيابه
لااحد يعرف !!
يكبل سيطان من يديه وتعصب عيناه ويساق الى دهاليز سجونهم ، الى احتفال اخر لا احد
يعرف ماذا سيوضع على الطاولة ، وما هي انواع الحلوى التي ستقدم له .
كان من المفروض ان يقطع سيطان قالب الحلوى بسيفه ، بزنده ، بنظراته ، لكنه اصر ان
يبقيه مرفوعا !!
وان يطفئ الشموع التي اضاءها ، لكنه آثر ان تبقى شعلتها مستمرة .
لحظات سكون ذهول ، واضطراب ، ماذا جرى ؟ الى اين ساقوه ؟ ما السبب ؟ وكم سيعذبونه ؟
تساؤلات بالنظرات ، ودون اصوات ، لا احد استطاع الكلام ، فخيم صمت رهيب وكئيب ..
اجتمع الجيران ، الاصدقاء ، اهل القريه ! لا احد يعرف لا جواب لا جواب .
هكذا يحتفل الجولانيون بعيد ميلادهم !!!
لا عيد ميلادك يا سيطان متى ستعود ؟؟ لتكتحل عيناك بالشموع التي اضأتها ، و ما زالت
تنير لنا دروب الحرية . وسترى ان سيفك الذي جردته من غمده ، ما زال مشهورا بوجه
الاعداء