يا للمفارقة!
مسعود الجولاني - 08\10\2011
كلّما أقبلت عليّ ليلة ظلماء,أنظر من نافذتي الصغيرة,أسترق النظر, فيبدو لي الليل
وكأنّه غامض مرعب بقدر ما هو ساحر أخّاذ,غارق بالسواد ومتوهّج بالنجوم في آن,كذلك
حال البحر الهادئ الغافي في أحضان الشاطئ,حيث ينقلب سكونه في لحظة إلى طوفان جارف
يغتال الشجر والبشر معا.
متناقضات تلاحقنا وتحاصرنا أينما توجّهنا...ملائكة وشياطين,وطن ومهجر,نور وظلمة...ولعلّ
العيش في ظل هذه المتناقضات هو ما يدفعنا للاستمرار. ويبدو أنّني غير محيّد عن هذا
التلوّن,فقد حسبت نفسي يوما في كامل القوّة وبمنتهى الجبروت وإذ بها تتملكني بنظرة
عابرة,فأكتشف تعدّد مكامن الضعف في داخلي,خلتُني حينها شخصية هلامية غير محدّدة
المعالم,إلى أن رحت أخفّف عن نفسي بأن أعمّم هذا التناقض على جميع من حولي.
ما أروع لحظات الضعف التي تخفق في داخلي وتمدّني بقوّة المواجهة,وما أجمل ومضات
الارتباك التي تزيدني ألقا,نعم فقد غدا سحر عينيها مصدر قوّتي وضعفي معا.لن أستغرب
بعد اليوم أن يهتف المتمرّد وهو مكبّل اليدين وأن يندفع المحارب وهو عاري الصدر,قد
أمست مظاهر القوّة بعيدة عن التعريفات التقليديّة السالفة.
أنا وهي نتشابه بكل شيء ولكنّنا نتناقض بممارسة طقوس العشق,هي تشترط عليّ أن أتزوّد
بجواز عبور كي أكلّمها وترفض منّي فقط - الكلام المباشر والمبطّن والهمس واللمس وما
يشبههم,وأنا أُساكن آلهة جنون الهوى,أغمرها,أقبّلها وأُعاشرها في كل الأركان
والأزمنة,في جنائن حضورها أو في حضرة غيابها,مشاعري نهر متدفّق وطيفها قابع في عينيّ
لا يفارقهما,وكلّما فتحت الجفنين تظهر صورتها ويفتضح أمري.
ولتكتمل دورة التناقض...فقد أمسيت أعشق تمنّعها الخجول وصدّها اللطيف ولو أنّني على
يقين أن وراءهما يتململ مارد الحب الذي أسرته تماما كما فعلت بي,وقد بات سجينا
يختبئ في ظلّها...آه كم أحسده على قربه منها وأنا الأسير المُبعد عنها.
عذرا منكم,عليّ أن أغلق النافذة الآن, وقد انقلب الطقس بردا وعواصفا,ربّما تعاطفا
معي بعد ما سمعه منّي عن مفارقات الحياة...وما بين شال الفجر وعباءة الليل... تستمرّ
الحكاية.