أن تكون مسالما
مسعود الجولاني - 05\11\2011
أن تكون مسالما يعني أن تغدو وسطيّا بحيث يلفّك الضباب فتسير على خطى الأكثرية
وتصرّح بقليل ممّا يخطر ببالك بعد أن يُشفّر الملغوز والمرموز وذو الدلالة الذي قد
يُغضب القريب أو ينفّر البعيد.
أن تكون مسالما يعني أن تطلق العنان لأفكارك بعد أن تغطّ في نوم عميق على أن تتكتّم
صباحا على كل تلك الكوابيس أمام مرآتك الواشية,وأن لا تتسرّع في التعبير عن رأيك
قبل أن تراجع الدوائر العائليّة والمكاتب الحزبية والفتاوى الدينيّة واللجان
الشعبيّة,وبعد كل ذلك تذكّر مستقبلك وأولادك وتاريخ أجدادك وعندها إذا ما زلت مصرّا
على قول رأيك بصراحة,انتظر,لماذا أنت؟دع غيرك يكون في الطليعة وآخر ليحمل الراية
وسواه ليكتب الخطاب وغيره يُعنى بالجواب,أمّا أنت فإذا ما زلت تذكر ما أردت قوله...كيف
تسوّغ لك نفسك فعل ذلك وقد هجرنا الجوع وتمّت حمايتنا من تنكيل الظالمين وها نحن
نرتدي ربطات عنق بلون الياسمين؟.وإذا كنت عنيدا ومتهورا لدرجة أنّك ما زلت تلحّ على
التصريح والمكاشفة,فلك كل الحريّة بالتعبير عن رأيك ومن يجرؤ على اغتصاب الحقوق
والحريّات ولكن!!... لتتكلّم فقط عن حالة الطقس في القارّات المنسيّة.
أن تكون مسالما يعني أن لا تبكي حتّى النواح وأن لا تفرح حتّى الضحك وأن لا تُغالي
بالتهليل والتكفير والتخوين طالما أنّك تتناول ثلاث وجبات يوميّا, وأن تعتبر بصمت
إذا احتفلوا في مأتم أو ناحوا في زفاف,وأن تتناسى جسد المرأة وتؤجّل ممارسة الحواس
الخمس إلى إشعار آخر,وأن لا تسأل وألا تتقصّى عن شجرة العائلة لآلهة السماء,وأن
تأكل الشواء كغيرك ولو آلمتك تراجيديا اللحظات الأخيرة للنعجة المسكينة على مذبح
المحلّل والمشروع.
أن تكون مسالما يعني أن يجفّ حبر قلمك وتمتهن الصمت وصنعة المجاملة والتصنّع في
أعراف القطعان البشريّة فتغيّب عمق التحليل حينا ورعشات الوجدان أحيانا وتغدو أنت
لا تشبه أفكارك وأحلامك وتصبح شبحا أخرس وصورة شاحبة في الظل.