معارض أو مؤيد..؟ لهجه جديده بالجولان..
صالح
كنموذج مصغر عن المجتمع العربي الكبير, تعاني البيئة الجولانية من انعكاسات ما يعانيه العرب بشكل عام, انها الانقسامات والتشرذم, وهي على ما يبدو مرض مزمن اصيب به العقل العربي منذ ان وجدت لغة الضاد, ونراه بوضوح في كافة مراحل تاريخ الأمة: ابتداءً بالانقسامات القبلية فالدينية فالمذهبية وانتهاءً بالجغرافية ان صح التعبير ممثلة بسايكس بيكو, وقد تكون هذه الأخيرة قابلة للزيادة في ظل الظروف التي تمر بها الأمة.
نحن في الجولان المحتل بعيدون جزئياً عن تلك الحساسيات وخصوصاً المذهبية منها, وذلك ليس بسبب "تحررنا الفكري وتقبلنا الديمقراطي للآخر", حتماً لا, بل لأن البنية الديمغرافية للمنطقة لا تسمح بذلك, ولكننا وكجزء من العالم العربي وتربطنا به "وحدة المصير والمسار" خلق لنا ادماننا على النزاعات بديلاً عن الانقسامات الدينية, فكانت الانقسامات العائلية, وهي أسخف انواع العنصرية وأكثرها بدائية.
أما مؤخراً, فقد برزت على الساحة ظاهرة دخيلة جديدة, وهي الانقسام السياسي, ولا أقصد هنا الاختلاف السياسي "فالاختلاف هو ظاهرة صحية في المجتمع", بل اعني الانقسام الناتج عن عدم ادراكنا لروحية الاختلاف ومنطقيته, وتشبثنا بنظرية: "انت مش معي يعني انت ضدي".
وعلى الرغم من محدودية هذا الانقسام في الوقت الراهن الا ان خطورته في المستقبل شديدة وقاتلة, فقد ينجح تكريس هذا الفكر بما فشل به كيان الاحتلال, الا وهو زرع التفرقة بين ابناء الوطن الواحد أو المنطقة الواحدة, متناسين ان همنا مشترك, وعدونا مشترك, وتحييد النظر عن العدو الحقيقي الخارجي الى عدو افتراضي داخلي, وذلك لا يصب بمصلحة المؤيدين والمعارضين (بالمفهوم العام) بل هو بمثابة انتحار وطني لهذه المنطقة وتاريخها النضالي.
لذلك فمن واجب الشرفاء في الجولان المحتل, السعي لحل هذه الأزمة قبل تفاقمها وتفشيها, خصوصاً وأن هنالك عامل شديد الأهمية والحساسية قد يدفع في زيادة الخلاف وهو تلك الانقسامات التي بدأت تطفو على السطح في صفوف الهيئة الدينية, اي ان الجهة التي بيدها القول الفصل أو المرجعية النهائية لغالبية الجولانيين في القرارات المصيرية بدأت تظهر عليها علامات الانقسام, وقد شاهدنا ذلك بعد "المشاحنات" التي حدثت بين مؤيدين ومعارضين في جمعة 23-12-2011, فقد أصدرت الهيئة الدينية وللمرة الأولى بيانين مختلفين (بغض النظر عن الموقف السياسي), اذاً فالهيئة الدينية التي أسقطت بتماسكها ودعم المجتمع لها قانون فرض الجنسية الاسرائيلية وقانون الضم, وأخرجت للعالم بفضل تماسكها ودعم المجتمع لها أيضاً ملحمة وطنية تمثلت بالإضراب الكبير الذي يعتبر الأطول في تاريخ سوريا الحديث والقديم.
للأسف الشديد فقد انقلب حالها اليوم وباتت تنقسم على القرارات المصيرية وتتوحد بطريقة مضحكة على قرارات اقل ما يقال عنها أنها لا تليق بتاريخ هيئة دينية وقفت بوجه الكيان الصهيوني, فمثلاً هل قرار تحريم أو "تجريم" رخصة السياقة للفتيات بالغ الأهمية حتى تجري لأجله الاجتماعات, وتصدر فيه البيانات, وتتوالى له النخوات والمراجل, و"القبضاي" من صاح في الناس "يا باطل".
بينما في المقابل هنالك خلاف قد يحدث شرخاً طويل الأمد في مجتمع بأمس الحاجة للوحدة والتكاتف وفي فترة هي من أشد الفترات دقة وحساسية, لنجد أن هيئتنا الدينية تتخبط في بياناتها, فليس هنالك قرار موحد حازم وحاسم يتلاءم ودقة المرحلة.
****
في النهاية, أود ان اعود الى النقطة الأساسية لكلامي هذا لأقول ان للجميع الحق في التعبير عن تأييدهم لأي فئة وطنية يريدون, بأي طريقة محترمة يريدون, وعلى كل فريق ان يحترم وجهة نظر الفريق الآخر... ولكن علينا جميعاً كجولانيين وكسوريين أن نحترم حساسية هذه المرحلة, وأن ندرك أن هذا الوقت بالتحديد ليس بالوقت المناسب للانقسام, ولنتذكر أن المعيار الحقيقي للروح الوطنية هو: "وطني أم غير وطني, وليس مؤيد أم معارض".
ملاحظة: تقبل التعليقات بالاسم الثلاثي فقط