قبل أن يسبق السيف
العذل.. دعوة للتفاهم
وهيب أيوب - 14\02\2012
تأتي الذكرى الثلاثون لإضراب الرابع عشر من شباط عام 82 وأهل الجولان في أسوأ
أحوالهم، بحيث وصلت العلاقات من التوتر حدّها الأقصى والأخطر بشكل لم يسبق له مثيل
منذ بداية الاحتلال عام 67.. وما لم نجد أسلوباً للتفاهم فيما بيننا حول ما يجري في
بلدنا من أحداثٍ جسيمة ومصيرية، فإن العواقب ستكون كارثيّة على الجميع دون استثناء.
المسألة لمن يريد التفاهم وعدم تصعيد الخلاف هي في غاية البساطة، فالمنطق البسيط
للأمور، يقول بأن الناس ليسوا على رأي واحد، وهذا طبيعي في كل المجتمعات البشرية
المتحضّرة.
لا أريد هنا توصيف الصراع الدائر في بلدنا سوريا، لأن هذا ليس هدف المقال، ولكن
لوضع أُسس للتفاهم يتفق عليها العقلاء المخلصون لوطنهم ومجتمعهم وللحفاظ على السلم
الاجتماعي على أقل تقدير.
وحل الأمر في غاية البساطة، ففي دمشق وباقي المحافظات السورية، هناك الموالون
المؤيّدون لنظام الحكم، وهناك المعارضون المنتفضون عليه. ونحن هنا في الجولان
المحتل ينطبق علينا ذات الأمر، ولكننا بعيدون عن ساحة الصراع، ومواقفنا تبقى مواقف
سياسية وأخلاقية ومعنوية وإعلامية، وهذا الأمر مُتاح لكلا الطرفين، ولا سبيل لأن
ينفي أحدنا الآخر ويثنيه عن موقفه. والحل الأجدى والذي يحفظ حق الجميع في التعبير
عن آرائهم ومواقفهم كما يرونها من وجهة نظرهم، بأن يترك كل فريق الآخر يعبر عن نفسه
بحرية وكما شاء دون تدخّل أو احتكاك أو استفزاز من الطرف الآخر، واعتقادي أنّه
السبيل الوحيد إذا أردنا اعتماد المنطق والعقل لعدم الاحتكاك والصدام.
في سوريا 23 مليوناً من السكان، ونحن جزء لا يتجاوز الـ 23 ألفاً ، مهمتنا الأساسية
المحافظة على أرضنا وانتمائنا وهويتنا السورية، ووحدتنا ولو بحدّها الأدنى، وهو عدم
الوصول لمرحلة الصدام، والمحافظة على السلم الأهلي والاجتماعي، لأن قدرنا أن نبقى
على هذي الأرض سويّاً ونواجه المخاطِر سويّاً وحاضرنا ومستقبلنا مرتبط بعضنا ببعض،
لأننا نعيش في منطقة شبه معزولة وسنُترك لننهش بعضنا بعضاً، ولن يشفع لنا إلا
تصرفنا بحكمة وعقل وضمير.. ولا ننسى أو يتناسى البعض مِمَن يدفعون بالصراع فيما
بيننا من خلال التحريض وإطلاق الكلام المسيء بأن أحداً لن ينجو من الأذى إذا لم
نتدارك الأمر قبل حدوثه، وما جرى في قرية بقعاثا خير دليل عمّا أقول.
أنا هنا أسأل الجميع، ألا يكفي الدماء التي تُسال داخل الوطن حتى نُهرق منها نحن
أيضاً هنا...؟
وأحذّر من أمرٍ خطير فيما لم يتدارك الأمر العقلاء، ففي حالة وقوع أي احتكاك أو
صدام ووقوع أي ضحايا، فسيختلط الحابل بالنابل ويتحول المتصادمون إلى اصطفافات
وفرقاء غير معنية أصلاً بتلك الصراعات السياسية، ولمن يتبع هذا أو ذاك، موالياً أم
معارِضاً.
وقد يعيدنا هذا إلى أمور تجاوزها مجتمعنا إلى حدٍّ كبير، ولا أعتقد أن صاحب عقلٍ أو
ضمير يرغب بالعودة إليها وأن يورّط مجتمعنا ويتسبب في كارثة تطال الجميع دون
استثناء.
أقترح على جميع المعنيين بالأمر بأن يتدارسوا الأمر ويفكّروا فيه مليّاً، إذا كانوا
بالفعل معنيين بعدم وصول الأمور إلى المكان الذي لا ينفع فيه الندم، بأن يختار كل
فريق ممثلين له، ونجلس سوياً للتفاهم حول إدارة هذه الأزمة، ولا أقول الحوار حولها،
لأن الحوار لن يُفضي إلا لمزيد من الخلاف والصدام.
فليبقى كلّ على رأيه ومواقفه إن شاء، شرط أن يعبّر كل فريق عن آرائه كما أسلفت
بالطريقة التي يريدها، دون أن يتعرض له الطرف الآخر، وهذا أبسط مفاهيم الحرية
والاعتراف بالآخر، والحد الأدنى من التحضّر والإنسانية.
يجب ألا نترك الأمور ليتحكم بها بعض الغوغاء والموتورين، الذين لا يجيدون لغة العقل
والتفاهم، ثم يحصد المجتمع نتائج أقوالهم وأفعالهم.
هذا الأمر مسؤولية جميع المخلصين، من رجال دين، ووطنيين صادقين، ومثقفين ومتعلمين،
وكل من يشعر بالقلق والحرص على أهله ومجتمعه.
أخيراً، أدعو جميع الخيّرين من أصحاب النوايا الحسنة الصادقين، من رجال دين وغيرهم،
التوجّه سريعاً لأخوتنا في قرية بقعاثا لإصلاح ذات البين وإجراء مصالحة عاجلة ودفن
الخلاف تلافياً لتطوره، وأن نسعى جميعاً جاهدين لعدم تكراره في أي قرية من قرى
الجولان مُستقبلاً.
أقول كلامي هذا ، ولا أدّعي الحياد في هذا الخلاف بالرأي والتوجّه، فأنا طرف فيه
ولن أتنازل عن رأيي وتوجّهي، ولكني ملتزم كما أصدقائي من ذات الفريق بالتعبير
السلمي عن آرائنا ومواقفنا، ولنترك الزمن يحكم فيما بيننا.